وصل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة هو وجنوده، منصورين مؤيدين مستبشرين بنعمة الله وفضله وعنايته، قد جمعت لهم الأسرى والغنائم.
استشار النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبا بكر وعمر وعلياً - رضوان الله عليهم - فيما يصنع بهؤلاء الأسرى؟ فقال أبو بكر - رضي الله عنه -: يا رسول الله هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان، وإنى أرى أن نأخذ منهم الفدية؛ فيكون ما أخذناه قوة لنا على الكفار، وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عضداً.
فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ما ترى يا ابن الخطاب؟ قال: قلت والله ما أرى ما رأى أبو بكر، ولكن أرى أن تمكننى من فلان - قريب لعمر - فأضرب عنقه، وتمكن علياً من عقيل بن أبى طالب فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان - أخيه - فيضرب عنقه، حتى يعلم الله أن ليس في قلوبنا هوادة للمشركين، وهؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم.
فهوى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلت، وأخذ منهم الفداء.
فلما كان من الغد قال عمر - رضي الله عنه -: فغدوت إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبى بكر وهما يبكيان! فقلت: يا رسول الله أخبرنى ماذا يبكيك أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما! فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: للذى عرض علىَّ أصحابك من أخذ الفداء، قد عرض علىَّ عذابكم أدنى من هذه الشجرة - لشجرة قريبة - وأنزل الله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ