للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ليعجل لهم البشارة قبل وصول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكانوا بين الفرح الغامر، والحذر ألا يكون خبر مثل هذه الصاعقة يقيناً، قال أسامة: «فوالله ما صدقت حتى رأينا الأسارى»، وكانت الدهشة تعلو الوجوه، أحقاً هزمت قريش! وقتل زعماؤها! وأسر صناديدها! وتحطمت كبرياؤها! وظهرت حقيقة آلهتها الباطلة الزائفة! وعقائدها الضالة!. إن أم المؤمنين سودة لفرط دهشتها تقول لأبى يزيد سهيل بن عمرو ويداه معقودتان إلى عنقه بحبل: «أبا يزيد أعطيتم بأيديكم ألا متم كراماً!» فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أعلى الله وعلى رسوله؟!» أي تؤلبين، فقالت: «يا رسول الله، والذى بعثك بالحق ما ملكت حين رأيت أبا يزيد، مجموعة يداه إلى عنقه بالحبل، أن قلت ما قلت» (١).

في طريق عودة الجيش إلى المدينة، أمر الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقتل اثنين من الأسرى، هما النضر بن الحارث، وعقبة بن أبى معيط، وكانا يؤذيان المسلمين بمكة، ويشتدان في عداوتهما لله ولرسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إن الوقوع في الأسر لا يعنى صدور عفو عام عن الجرائم التى اقترفها الأسرى أيام حريتهم، وهؤلاء الطغمة من كبراء مكة لهم ماض شنيع، بالغ السوء، في إيذاء الله ورسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد أبطرتهم منازلهم فساقوا عامة أهل مكة إلى حرب ما كان لها من داع، فكيف يتركون بعد أن استمكنت الأيدى من خناقهم، أليعودوا مرة أخرى أشد عداوة وطلباً للثأر؟! ... إن الحصول منهم على فداء لا يناسب ما وقع منهم في جنب الله، إنهم مجرمو حرب بالاصطلاح الحديث.

إذاً في قتلهما درس بليغ للطغاة؛ وقد رأينا كيف تخلى عقبة عن جبروته، ونادى من للصبية يا محمد أو يا رسول الله؟ فأجابه: النار (٢).


(١) ابن هشام، السيرة (٢/ ٢١٢)، وذكر صحته د. أكرم العمرى، السيرة (٣٧٠).
(٢) ابن هشام، السيرة (٢/ ٢١١)، ذكر د. مهدى رزق الله أنه يهودى الأصل نقلاً عن السهيلى الروض الأنف (٣/ ٥٣)، السيرة النبوية (٣٦١).

<<  <   >  >>