للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان في الأسرى أبو العاص بن الربيع زوج زينب بنت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأرسلت قلادة لها كانت أهدتها لها أمها السيدة خديجة رضى الله عنها في زواجها لتفدى بها زوجها، فردوها لها، وأطلقوا لها أسيرها لمكانتها من أبيها سيدنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

بل كان وارداً أن يطلق سراحهم جميعاً كما قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لو كان المطعم بن عدى حياً ثم كلمنى في هؤلاء النتن لأطلقتهم له» (١)، وقد ذكرنا هذا الموقف من قبل حيث كان دور الحماية لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عند رجوعه من الطائف، مع موقفه من نقض صحيفة الظلم والقطيعة.

وإن نظرة سطحية فقط على هذه التصرفات تبين الفارق الضخم الذى لم يحدث مثله من أحد في تاريخ الإسلام في قتاله للمسلمين، هذا الفارق الذى يدل على عظم الإسلام وكونه من الله تعالى، وعلى صورة المسلمين السمحة وعقيدتهم البهية المنيرة إزاء أعدائهم؛ إن غيرهم من كل الملل لم يتورعوا عن الإبادة الكاملة لكل صغير وكبير، ذكر وأنثى مع التدمير الشامل لكل ما تقع عليه أيديهم مما له علاقة بالإسلام أو بالمسلمين.

كم أريقت بحار الدماء الذكية على أيدى حاملى الصليب في حروبهم في بيت المقدس مماحدث من مآس وجرائم هي أعتى الجرائم التى وقعت على مدار التاريخ.

وبقى الجزء المنير الآخر في التعامل مع الأسرى، وهو الوصايا من الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بهم خيراً (٢)، خاصة أن من تبقى منهم لا فداء معه وكان يجيد الكتابة، كان فداؤهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة.

حكى أبو عزيز - شقيق مصعب بن عمير - رضي الله عنه -، وقد أسر في بدر مع المشركين – أنه


(١) البخاري (٢٠٢٤).
(٢) الطبرانى في مسنديه الصغير والكبير، وقال في مجمع الزوائد: إسناده حسن، د. مهدى رزق الله، السير النبوية (٣٦١).

<<  <   >  >>