ولا ننس أن ننوه بوظيفة المؤرخ كما ذكر وات، حيث لا تنحصر في السرد بقدر فهم البواعث والأهداف من وراء ما يقع من أحداث، ذلك ما بلغ القرآن الكريم فيه درجة غير مسبوقة تتوافق وأهداف الإسلام ووسائله، ومعرفة النفس الانسانية ودوافعها وتبيين ما يعتمل فيها وما تقصد إليه تصويراً لذلك وتصحيحاً وتقويماً للمطلوب فيه.
ونأتى لسورة الأنفال لنحلل منها ما نستطيع من السيرة مع المقارنة والنظر في جمالياتها.
إن أول ما يصادفنا أن سورة الأنفال تحدثت عن غزوة بدر من آخرها، فلم تسرد الأحداث بما بدأت به في واقع الأمر، فبدأت بالحديث عن الغنائم والأنفال، وهو في نهاية الموقعة، وواضح أنها خصت الغنائم بالذات من بين الأحداث الأخيرة في الوقعة ويبدو أن ذلك كان موضوع الساعة إذن بل وكل ساعة، فيه تتحدد وجهة الغزو، وأهداف الجهاد وما ينبغى أن يكون نصب عين المجاهدين والمؤمنين من مقصود ذلك ووسائله النفسية والمادية في الدنيا والآخرة كما سنوضح شيئاً من ذلك.
أخذ الحديث وجهات عدة نشير إليها تبين ما سبق:
الأول: في قوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ}[الأنفال: ١]، ومعناه أن هناك نصراً قد تحقق، وحصل بسببه غنائم اختلف الصحابة في توزيعها، وسألوا الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيها لعدم علمهم بما ينبغى أن يقسموها به، وأنهم حاوروا الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تصريحاً، ومنهم من يجادل غيره بما يدل على طلب الفهم في هذا الشأن، والتعبير بالمضارع {يَسْأَلُونَكَ}، دل على تكرار السؤال المرة بعد الأخرى من سائلين متعددين، وإما بكثرة السائلين في الموقف الواحد، وجاء السؤال معدى ب {عَنِ}، ليدل على طلب المعرفة)، وهذا يدلنا على تأكيد ما حدث في السيرة النبوية، ثم جاء القرآن الكريم بعد ذلك التنازع الذى ذكرته السيرة ليوضح المقصود والمطلوب