والغايات والبواعث إلى آخر ما ذكرنا آنفاً فجاء القاطع القرآنى بقوله:{قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ}، أي لله تعالى ملكاً واختصاصاً على جعل اللام هنا للملك أو للاختصاص، فهى ملكه ويختص بالقضاء فيها هو جل وعلا فيحكم بما يشاء ويصرفها كيف يشاء، ومعرفة ذلك والقيام به لرسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المبلغ عنه فهى لرسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من هذه الوجهة.
ومما ذكرته السيرة ووضحته جملة:{يَسْأَلُونَكَ}، الايذان بأن ثم تنازعاً قد حدث بين ناس من الجيش في استحقاق الغنائم، وقد كانت لهم عوائد في الجاهلية متبعة في الغنائم والأنفال أرادوا العمل بها وتخالفوا في شأنها والذين سألوا كانوا معروفين، لأن ضمير جمع الغائب في {يَسْأَلُونَكَ}، معلوم عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعند السامعين ساعة عند نزول الآية.
الثاني: المنحى الثاني الذى بينته الآيات لتوضح به ما يجب أن تكون عليه سيرة المؤمنين في هذا الموقف خاصة، وكل المواقف بعد ذلك هو تقوى الله سبحانه وتعالى، وإصلاح ذات البين، وطاعة الله ورسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وختم هذا المنحى بصيغة الإلهاب لنفوسهم على الامتثال، وهو قوله تعالى:{إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}، وذلك ليس تشكيكاً في إيمانهم، بل لأنهم مؤمنون خاطبهم بذلك، لأنه لا يؤمر بذلك غير المؤمنين. (١)
وهذا معناه أن المؤمنين همهم الأول هو تقوى الله وأولها في هذا الموقف صلاح ذات البين، وطاعة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ليس همهم الغنائم وقسمتها، ومن يحوزها أو يحرمها، وهي التربية القرآنية الأولى للمؤمنين بأن تكون وجهتهم تقوى الله وطاعة رسوله والاستسلام لأوامره والاجتناب لنواهيه، مع قولهم سمعنا وأطعنا وهو الشق الأول الذى يقوم به الإسلام والشق الثاني هو تآلف القلوب وصلاح ذات البين والاجتماع والاتفاق على كلمة لا شقاق فيها ولا تصدع لها، بأن يكونوا يداً واحدة على من سواهم، متكافلين متوادين
(١) انظر الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير (٩/ ٢٥٢ - ٢٥٤).