للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

متراحمين كالبنيان يشد بعضه بعضاً، ليسوا من مغريات الدنيا في شيء، وإن كانت الغنائم عندهم من مظاهر طلب الآخرة حيث يشير إلى هذا الرأى الأستاذ سيد قطب - رحمه الله - فيقول: «ولقد يدهش الانسان حين يرى أهل بدر يتكلمون في الغنائم، وهم إما من المهاجرين السابقين الذين تركوا وراءهم كل شيء، وهاجروا إلى الله بعقيدتهم، لا يلوون على شيء من أعراض هذه الحياة الدنيا، وإما من الأنصار الذين آووا المهاجرين، وشاركوهم ديارهم وأموالهم، لا يبخلون بشيء من أعراض هذه الحياة الدنيا أو كما قال فيهم ربهم: {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: ٩]، ولكننا نجد بعض التفسير لهذه الظاهرة في الروايات نفسها. لقد كانت الأنفال مرتبطة في الوقت ذاته بحسن البلاء في المعركة، وكانت بذلك شهادة على حسن البلاء، وكان الناس يومئذ حريصين على هذه الشهادة من الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومن الله سبحانه وتعالى في أول وقعة يشفى فيها صدورهم من المشركين، ولقد غطى هذا الحرص وغلب على أمر آخر نسيه المتكلمون في الأنفال، حتى ذكرهم الله به، وردهم إليه، ذلك هو ضرورة السماحة فيما بينهم في التعامل، والصلاح بين قلوبهم في المشاعر». (١)

إذن لم يكن من سبب كائناً ما كان ليغطى أو يمنع على الركن الركين من قيام الإسلام، وهو الأخوة الإيمانية التى علمها لهم القرآن الكريم تعليماً واقعياً بنزع الأنفال منهم إلى الله ورسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهتف بهم بهاتف التقوى ليكون لاماً لشملهم مصلحاً لجمعهم وذات بينهم، ليبقى سبب النصر هو القائم الباقى، سبب الفوز في الأولى والآخرة لأنه بغيره كما ذكرت السورة بعد سيكون إخفاقهم، ويعودون بالانكسار والهزيمة قال تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: ٤٦]، ومن ثم جاء الأمر بالتقوى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ} [الأنفال: ١]، مفرعاً على جملة: {الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ}، لأن في تلك الجملة رفعاً للنزاع بينهم في استحقاق الأنفال وإن


(١) سيد قطب، في ظلال القرآن (٣/ ١٤٧٣).

<<  <   >  >>