كل ذلك موكول إلى الله سبحانه وتعالى وذكرهم حينئذ بأنه قد وجب الرضا بما يقسمه الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقدم الأمر بالتقوى لأنها جامع الطاعات.
وعطف الأمر بالاصلاح لما حدث من اختلاف، أما الأمر بالطاعة هنا، فهى كما في قوله سبحانه:{ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[النساء: ٦٥]، أي الأمر بالطاعة التامة التى يقتضيها الإيمان الذى يحثهم على ذلك ويظهر الانقياد حقيقة وقوة هذا الإيمان:{إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[الأنفال: ١].
الثالث: إن المنحى الثالث الذى أكدته الآيات منحى صفات المؤمنين حقاً لتبين لهم سيرتهم الصحيحة، فيزدادوا منها أو يثبتوا عليها، ومن تأخر عن تمامها شيئاً ما كانت مجاهدته لنفسه على اللحاق بها والتمثل بتفاصيلها فبعد أن عاش المؤمنون هذه الأحداث، لا شك أسرعوا في إصلاح ذات بينهم، وتصافت أرواحهم، وتسامحت نفوسهم وعادوا لا يحركهم، ولا ينبغى إلا تقوى الله وطاعة رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتألف صفهم وترابط جمعهم، وعلموا الهدف الذى يجب أن يسعوا إليه هو ما وصاهم به وتنزلت بسببه تلك السورة لزوم التحقق بأعلى وأهم صفات المؤمنين، لأن كل أعمالهم من جهاد فما دونه إنما هو وسيلة لأن يكونوا مؤمنين حق الإيمان، باذلين أرواحهم ليكون غيرهم لاحقاً بهم، حتى تصبح الأرض كلها الأرض الطيبة الصالحة بإيمان أهلها، التى في نفس الوقت تكون متعبدة بأحسن التعبد موحدة أعلى التوحيد لله رب العالمين، الذى اكرمهم بذلك كله وشرفهم به، واصطفاهم لحمله من دون العالمين.
جاءت الجمل القرآنية الكريمة متتابعة تبين صفات المؤمنين، وكأنها تقول ليس المؤمنون الذى يسمعون كلام الله ولا يرعوون ولا يستجيبون له، ولا يسارعون إلى مرضاته بل هم أعلى وأجل إذ يسمعون كلام الله فترتعش قلوبهم ويظهر ذلك في انهمال عيونهم،