وقشعريرة أبدانهم، يرتجفون لذكره فيمتثلون أمره ويجتنبون نهيه، ويتعجلون إلى مرضاته، وليس هم الذين يسألون ويتكلمون في الأنفال، بل هم المنفقون في السراء والضراء، لا ينتظرون أخذاً إنما يسارعون إعطاء، الذين يخرجون من الاعمال الصالحة وقد ازدادوا إيماناً فربط على قلوبهم، وأخذهم هذا الإيمان الزائد إلى مواقع الحق والصواب؛ لا يخرجون من الاعمال الصالحة إلى الدنيا وقد خف إيمانهم فيتنازعون عليها. وهم في كل ذلك متوكلون على الله، محافظون على صلواتهم راكنون إلى ربهم، ينظرون جزاءهم وحسن عاقبتهم فيسارعون إلى ذلك الخير الدائم، وهم مع ذلك ملازمون لطلب المغفرة في كل حين لأنهم لن يوفوا حق نعمة من نعم الله عليهم أو يقوموا بكل ما جاءهم به - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإن الرسول - عليه الصلاة والسلام - لهو قدوتهم السائر بهم إلى ربهم المرشد لهم إلى أسباب سعادتهم في الدنيا والآخرة.
هؤلاء هم المؤمنون حقاً أي هؤلاء لا غيرهم هم المؤمنون حق الإيمان، وهذه الجملة وما عطف عليها إما أن تكون مستأنفة وإما تعليلية فإن كانت مستأنفة فهى مستأنفةاستئنافاً بيانياً مسوقة لمن أريد بالمؤمنين بذكر أوصافهم الجليلة جواباً، لسائل يثيره هذا الاشتراط في قوله: {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١)} [الأنفال: ١]. بعدما تحقق أنهم مؤمنون من قبل فيقول من هم هؤلاء المؤمنون فيجاب بأن المؤمنين هم الذين صفتهم كيت وكيت، فيعلم أن الإيمان الذى جعل شرطاً في الامتثال هو الإيمان الكامل فتنبعث نفوسهم إلى الاتسام به والتباعد عن موانع زيادته.