للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمعنى ليس المؤمنون الكامل إيمانهم إلا أصحاب هذه الصفة التى يعرف المتصف بها تحققها فيه من عدمه من عَرْض نفسه على حقيقتها، فأحيلوا في معرفة أمارات تخلقهم بالإيمان على تلك الصفات التى يأنسونها من أنفسهم والذكر يطلق حقيقة على التلفظ باللسان فإذا علق بالذات كذكر الله أريد ذكر اسمه، أو شأن من شؤونه مثل أمره ونهيه فيجل القلب أي يخاف مع الفزع لاستعظام الموجول منه، وأسند ذلك إلى القلب في كلام العرب لأن القلب يكثر إطلاقه على إحساس الإنسان وقرارة إدراكه، وقد أجملت الآية ذكر الله إجمالاً بديعاً يناسب معنى الوجل، ليكون ذكر الله إذا جاء باسمه أو بذكر عقابه أو عظمته أو ثوابه ورحمته كل ذلك وغيره يورث القلب لكُمل المؤمنين الوجل؛ لأنه يحصل مع هذا الذكر استحضار جلال الله وشدة بأسه وسعة ثوابه، لنعلم الباعث التاريخى الذى اخترعه المستشرقون وات لتلك الأحداث، وهو أنه إذا تذكر ذلك ينبعث عن هذا الاستحضار توقع حلول بأسه، وتوقع انقطاع بعض ثوابه ورحمته، فهو وجل هو الباعث للمؤمن على الاستكثار من الخير، وتوقى ما لا يُرضى الله تعالى، وملاحظة الوقوف عند حدود الله في أمره نهيه، وحال آخر يحصل للمؤمن يبين وجهته وإخلاصه وتربيته الحقة على مائدة القرآن الكريم، على يد الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو الأمل والطمع في ثواب الله، وقد طوى ذكره هنا لاستلزام الوجل إياه؛ لأنه من الوجل أن يخشى وَيجِل من فوات الثواب أو نقصانه.

ثم جاءت الصفة الثانية ..

{وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [الأنفال: ٢].

ولا شك أن ارتباط هذه الصفة بما قبلها ارتباط وثيق، في غاية السلاسة، فإذا كان ذكره سبحانه تجل القلوب به، وهو أنواع كما ذكرنا فيدفعها إلى تلك الأحوال الحسنة فإن أعظم ذكره تلاوة آياته وسماعها الذى يحوى ذلك كل أسباب الوجل فيكون تأثيره أعم وأقوى

<<  <   >  >>