ودورهم وأراضيهم، وإعاقه وحصاراً للمشركين عن الاستمرار في اعتداءاتهم على المسلمين ومع أن أبا سفيان قد سلك الساحل ونجا فإن جيش الكفار بقيادة أبى جهل أبى إلا الاستمرار في المسير لملاقاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعنجهية وغطرسة ذكرتها السيرة، وما كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليتراجع حينئذ أمام جيش الكفار، إن ذلك وحده هزيمة وإعلاء لراية الكفر وفيه ما فيه من تجرؤ كل أحد على المسلمين، إذ كانت القبائل تنتظر ما هي قريش فاعلة مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كان متساوقاً مع السياق أن يكون الخروج إليهم هو الحق كما ذكر الله تعالى، خاصة إذا وعدهم النصر، لذلك كان التعجيب من موقف الكراهة هذا لأن تأكيد خبر كراهية فريق من المؤمنين بإن ولام الابتداء مستعمل في التعجيب من شأنهم بتنزيل السامع غير المنكر لوقوع الخبر منزلة المنكر؛ لأن وقوع ذلك مما شأنه ألا يقع، إذ كان الشأن اتباع ما يحبه الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو التفويض إليه، وما كان ينبغى لهم أن يكرهوا لقاء العدو، فكان تأكيد الخبر كناية من التعجيب بخبرهم (١)، وهذا أحد الدروس المستفادة التى ألقاها القرآن الكريم على أسماع المؤمنين، كيف يقابلون أوامر الرسول وما يحبه وما يشير به مما نزل به قرآن، أو لم ينزل اكتفاء برأيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المؤيد من عند الله تعالى، ليسارعوا إليه ويعجلوا إلى تنفيذه، وسنذكر الإشارة القرآنية بعد قليل في ذلك إن شاء الله تعالى.
أما قوله:{يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ}[الأنفال: ٦]، إما جملة مستأنفة، أو هي حال ثانية أي: أخرجك في حال مجادلتهم إياك، أو هي حال من الضمير في قوله:{لَكَارِهُونَ}، وصيغة المضارع لحكاية الحال كما لو كان حاضراً لزيادة التعجيب منها كما في قوله تعالى:{يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ}[هود: ٧٤]، ولم يقل جادلنا خرجوا إذن والطريق طويل والجدال متجدد متكرر يعجب منه السامع، خاصة بعدما تبين لهم الحق كما ذكرنا باعلام النبي أنهم ينصرون، وهم ما زالوا يقولون هلا ذكرت لنا النفير والقتال حتى نتأهب ونستعد لذا جاء قوله تعالى: {بَعْدَ
(١) انظر الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير (٩/ ٢٦٦ - ٢٦٧).