للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحقة لأنها من الله ورسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

ما زال القرآن الكريم يقص علينا مشهد الخروج إلى غزوة بدر، لنرى أمر الله تعالى وشأنه وتدبيره هو المحيط بالمؤمنين وبكل شيء من أوله إلى يوم يلقونه، وليروا ترتيب الله تعالى وإرادته الذى لا ترتيب مثله، ولا راد لإرادته، وأنهم مهما حاولوا أن يمهدوا ويوطدوا ويرتبوا لأنفسهم ما فعل من ترتيبه مثقال ذرة، ولو اطلعوا على الغيب لما اختاروا غيره، وقد نطق واقع النصر بخلاف ما ذهبوا إليه وتشوفوا له ورنت إليه قلوبهم وأبصارهم، جاءت الآيتان التاليتان ليؤكدا ويوضحا السابق، ثم يتحدد هدف المعركة الذى قصد إليه الشارع الحكيم فيقول تعالى: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (٧) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} [الأنفال: ٧ - ٨].

{وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ} [الأنفال: ٧]، وهذا كلام مستأنف مسوق لبيان جميل صنع الله بالمؤمنين مع ما بهم مما ذكر عن بعضهم، يبين أنه وعدهم إحدى الجماعتين من المشركين العير أو النفير، و {وَإِذْ}، منصوب على المفعولية بمضمر إن كان متصرفاً أو ظرف لمفعول ذلك الفعل يعنى واذكروا وقت وعد الله إياكم إحدى الطائفتيين والتذكير بهذا الوقت تذكير بما وقع فيه من الحوادث بتفاصليها وذكر بالمضارع ليكون حاضراً مفصلاً كأنه مشاهد عياناً (١)، نذكرهم فيه بعدم ظنهم النصر، وأنهم كذا وكذا مما ذكرنا فكيف بكم الآن من بديع أحكام الله تعالى وتقديره.

وقد وعدكم أن إحدى الطائفتين كائنة لكم مختصة بكم تتصرفون فيها كيف شئتم،


(١) هذا ما ذهب إليه معظم كالزمخشرى، الكشاف ()، والفخر الرازى، التفسير الكبير (٧/ ٤٤٨)، وأبو السعود، إرشاد العقل السليم (٢/ ٣٤٤)، والالوسى (٦/ ٢٤٨)، وذهب الطاهر بن عاشور مذهباً آخر (٩/ ٢٦٩)، وإلى ما ذهب إليه المعظم حيث موافقة اللغة، وهناك مذاهب أخرى، انظر بن عاشور أيضاً (٩/ ٢٦٩).

<<  <   >  >>