إن تأخر الوحي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلتين أو ثلاثاً ينبغي في مثل هذه الأحوال أن يكون أمراً عاديَّاً، لا يتوقف أمامه ليكون مصدر تكذيب، إذ سرعان في عادة البشر، فضلاً عن الوحي أن يأتي تكذيب من الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فيكون صاحبه في موقف سيء يدل في نهاية المطاف على عدم استخدام العقل، أو البصر بنتائج تصرفه، ومثل هذا لا يُحكِم العلم والإنصاف والحيدة والموضوعية، إنما يندفع وراء ما يعتمل في نفسه، ويكون تصرفه رد فعل لما يتمنى ويهوى أن يكون، وذلك صنيع المستشرقين في سيرة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأسلافهم وقدوتهم في ذلك أم لهب على جهلها وغيها، ولعلها كانت أفضل منهم في قولها: إني لأرجو ... وقد ذكرنا هذه القصة الصحيحة لنبين أمراً في غاية الأهمية، هو أن أحوال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كافة كانت معلومة لقريش، مسلمها وكافرها، رجالها ونسائها، لا يغيب عنهم من أحواله وأقواله شيء، إلى الدرجة التي حملت هذه المرأة على ما فعلت، وأنه ما كان يخفي شيئاً ويظهر آخر، أو يكتم من أمر رسالته وأخلاقه وحياته بعضاً ويبدي بعضاً، بل كان بادي الصفحة معهم، ومع كل أحد، واضحاً كل الوضوح، لا لبس في منطقه وقوله، ولا تحير في فهم كل مواقفه وأعماله، وإن التبس على بعضهم فهم شيء سارع بالبيان المبين.
ويبين هذا الموقف من جهة أخرى علامة فاصلة بين النبوة، وبين كون هذا الدين من عند محمد، وهو أن يتغيب أو يفتر عن الوحي إلى درجة أن يقال شيطانه قلاه وتركه، وما كان عليه وهو مدعي النبوة إلا أن يواصل الإرسال الكاذب، ولكنه يقف في شجاعة