ليعلنها أنه ليس له من الأمر شيء (١)، واثقاً في ربه، مطمئناً لما هو عليه، متحملاً كل التبعات المترتبة على ثباته، صامداً للتحديات كافة التي تواجهه، يعلن ضمن ما يعلن أن دينه سيعلو وسينتصر في وقت لا تواجه مثل فيه هذه التنبؤات في أقل أحوالها إلا بالسخرية والإستهزاء والإستخفاف، وإذا بالتاريخ يذكر وقوع ما تنبأ به حرفاً حرفاً.
أما تحليل الآيات - ونذكر ما يتعلق فيها بمدحه والثناء عليه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما ألمحنا آنفاً مما نزل في أوائل بعثته المشرفة - فنلاحظ:
الأولى: القسم، وقد أشرنا إلى معناه في سورة القلم، وإن دلنا هنا على أمر زائد - مطرد معنا في كل السور التي افتتحت بالقسم - هو كثرة الأقسام في السور المكية، على عكس السور المدنية، فلم تفتتح سورة واحدة منها بقسم، وكأن القسم كان مطلوباً في بداية البعثة، خاصة وأن المقسم به كان من خلق الله العظيم الذي يظهر وحدانية الله تعالى وقدرته، وأنه ليس لأحد من البشر تصريف في هذه المخلوقات إلا له وحده، فيكون ذلك باعثاً على التأمل في الآيات الكونية، داعياً إلى الإيمان بخالقها الذي يدعو محمد إلى توحيده، وقد وجدنا الكثرة الكاثرة كذلك من آيات الدعوة إلى النظر في الكون والإنسان وبقية المخلوقات آيات مكية، ليستدل بها على الإله الواحد سبحانه، ولتأكيد قضايا الإيمان، وترسيخها في أذهان وقلوب الناس آنئذ، وإن القسم في مثل هذا الأحوال لينبهنا إلى أن القرآن الكريم استخدم كل الأساليب التي تبين صدق الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومنها تأكيد أقواله