وتقريراته بالقسم الذي كان له أهميته عند العرب في تصديق المتكلم.
ويوضح القسم بتلك المخلوقات بجلاء أنه ليس كلام محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لأنه ما كان له أن يقسم بغير الله كما أمر هو نفسه، إذ هو شرك (١)، فالذي يقسم بتلك المخلوقات والظواهر هو خالقها سبحانه، لأنه لم يدع أحد أنه خلقها، أو أنه خالق مع الله لشيء منها، أو لغيرها، وهو شيء واضح تمام الوضوح أنه منفصل عن عقل محمد ونفسيته، علاوة على أنه يدعو في بيئة يشترك مع من فيها في عامة علومهم وثقافتهم.
الثانية: تؤكد لنا القصة أن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليس له من الأمر شيء، فلا هو يعجل نزول الوحي، ولا يؤخره، ولا يد له فيما ينزل أو لا ينزل، ساءه شيء من ذلك أو سَرَّه، أسعفه في المواقف التي يظن لزوم الوحي فيه، أو بطأ عنه، وما كان موقف كهذا الذي نحن بصدده، ليحتمل تأخير الوحي ليضع الرسول في موقف مؤلم بهذه الطريقة، بل ما كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لينتظر أن يقع ذلك له، ولكنه في النهاية الوحي الذي لا يخضع لرؤية محمد، إنه تنزيل من حكيم حميد له الكون وهو خالقه ومدبره بتمام الحكمة والعلم المحيط، وما محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا مبلغ عن ربه يقول له: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (٦٤)} [مريم: ٦٤]، وإن محمداً لو كان ذلك إليه لكان من السهل عليه أن يخترع وحياً، أو أن ينسج موقفاً وقصة تناسب حل المشكلة التي وقع فيها، بل إن الواقع والعقل ليمنع ابتداء من الوقوع في ذلك، فضلاً عن أن يرويها بكل صدق وأمانة، على أعدائه، ليروجوها ليسوا مسيئين إليه فحسب، وإنما لمرسله سبحانه في المقام الأول.
(١) الحديث: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) رواه أحمد (٦٩، ٨٧، ١٢٥/ ٢)، والترمذي (١٥٣٥)، وصححه الحاكم بلفظ: (فقد كفر) ... (١٨/ ١).