وعلى كراهة من المجرمين لذلك فعل الله ما فعل بهم، إذ هم المشركون المكذبون، ولا شك أنه لا يقصد بالكراهة مجرد الكراهة القلبية، حتى تكون تلك المبالغ الضخمة في تلك التراتيب الإلهية للمعركة، ولكن الكراهة هنا كناية عن الاستعداد على قدم وساق لاستكمال محاربة الدعوة وقتل نبيها وتشتيت أهلها وفتنتهم عن دينهم إلى آخر ذلك من المقاومة والاستعداد، ومن ثم كان المشركون بكراهتهم أي بكل ما أوتوا يريدون إظهار الباطل وإحقاقه، وما من بد حينئذ أن تنفذ إرادة الله جل وعلا مهما كانوا (١)، وتنقلب الكفة عليهم بجنده الأقل في كل شيء ليحق الحق ويبطل الباطل ولو فعل المجرمون في الأرض ما استطاعوا والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
كان درساً ممتازاً لأهل الإيمان في كل زمان ومكان تحصله العصبة المؤمنة ليزداد يقينها بالله، وحسن توكلها عليه، وثقتها في دينها ورسولها - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لتعود رايتها مرتفعة ونورها منتشرا يحمل العدل والحق والمساواة، يحمل الدينونة لله تعالى.
وما زلنا سائرين مع السيرة القرآنية تقص لنا سيرة بدر لنقارن ونحلل بما ورد في الواقع لا لنجمع الأحداث لاستنباط المطلوب، وللتزود بوقود الإيمان الذى لا يخبو ولا يغيض، لتندفع قاطرة الحق حتى تبلغ مداها، فنصل إلى قوله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (٩) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِن اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (١٠)} [الأنفال: ٩ - ١٠].
مضى السياق هنا بعد تحديد أهداف المعركة، وكل معركة، مع توجيهات في كل موقعة جديدة تستوحيها ظروفها وما يحيط بها، في استحضار جو بدر وملابساتها ومواقفها، والتعبير القرآنى المتميز يعيد تمثيل المشهد بمواقفه وحوادثه وانفعالاته وخفقاته ليعيشوه