وقد جمع التشبيهين في قوله:{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ}[الأنعام: ١٢٢]، فإن الكفار كانوا في منعة وعزة، وكان المسلمون في ضعف وقلة، فلما قضى الله تعالى بالنصر للمسلمين أخفق أمر المشركين ووهنوا، وصار أمر المسلمين إلى جدة ونهوض، وتلك الحياة وذلك الموت لاشارة قوية إلى اضمحلال أمر المشركين يفنوا عن بينة، وارتفاع أمر المسلمين وإيمان من آمن عن بينة، إذ ذلك حكم فصل تحقق بعد ذلك في ذهاب ريحهم وهزيمتهم.
فكانت وقعة بدر إذن بداية هلاك من هلك عن بينة حتى ينتهى هلاكهم، وحياة ونهوض من آمن حتى يرتفع أمرهم:{وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا}، وقد كان.
و {وَإِن اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} ..
أي بكفر من كفر وعقابه وإيمان من آمن وثوابه، ولعل الجمع بين وصف السمع ووصف العلم لاشتمال الإيمان والكفر على القول والاعتقاد اللذين يستدعيان السمع والعلم، وإن كان هذا التذييل يشير أول ما يشير إلى المسلمين بأن الله تعالى سميع لدعائهم بطلب النصر، وسميع بما جرى بينهم من الحوار في شأن الخروج إلى بدر، ومودتهم أن ذات الشوكة تكون لهم.
وعليم بما يجول في خواطرهم من غير الأمور المسموعة، وكل ذلك ينبههم إلى تربية المهابة بعد ذلك في قلوبهم وأفكارهم وأقوالهم، وأن يكون ذلك كله استجابة لأمر الله ظاهراً وباطناً.
وتمضى الآيات لتسكمل بقية ما بدأته من مشاهد، ونسير معها نستجلى تلك السيرة التى قصتها، والتى لم تكن لنقص في السيرة، وواقع الأمر لو حكيت بمثل ما قصت به في القرآن الكريم مع استيفاء هذا القص لكل الجوانب اللازمة من وراء هذا السرد، بما يضيف