تلك الأبعاد الدينية مجتمعة مع الأبعاد النفسية والتاريخية وغيرها، لتبقى خالدة ما بقى مؤمن وغيره في تلك الحياة، وفي نفس الوقت تستشرف الحياة الآخرة وتربطها بالحياة العاجلة، عجالتنا فيما يتعلق بالسيرة قدر الامكان ويأتى قوله تعالى: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٤٣)} [الأنفال: ٤٣].
{إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ}، بدل من قوله تعالى:{إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا}، أو بدل من يوم الفرقان فإن هذه الرؤيا مما اشتمل عليه زمان كونهم بالعدوة الدنيا، وهو يوم الفرقان يوم بدر، وعبر بالمضارع لاستحضار حالة الرؤيا العجيبة، إذ هي قد مضت بالنسبة لنزول الآية ويتعلق قوله:{فِي مَنَامِكَ}، بفعل {يُرِيكَهُمُ}، فالإراءة هنا إراءة رؤيا في المنام، وأسندتإلى الله تعالى:
أولاً: لأن الرؤيا وحى من الله للأنبياء، سواء كانت واقعة كما هي، أو هي رمز لمعان، فلا تعد صورتها الواقعة مخالفة للحقيقة، ومن الأولى أنه كان يرى الرؤيا كفلق الصبح كما هي (١)، أو كما في سيدنا إبراهيم - عليه السلام -: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى}[الصافات: ١٠٢].
ثانياً: للإهتمام بالرؤيا وتشريفها إذ كان له وقعها المناسب في نصر المسلمين، وقد كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى رؤيا منام أن جيش المشركين قليل، فأخبر الصحابه - رضي الله عنهم - فتشجعوا للقاء المشركين وزال ما كان يخامرهم من تهيب جيش المشركين، فكانت تلك الرؤيا فيه من الله تعالى على رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعلى المؤمنين، إذ كانت من أسباب النصر؛ وكانت قلة العدد في الرؤيا رمزاً لوهن المشركين وضعفهم، لا عن قلة عددهم، كما كان معلوماً من الواقع.