ولو أخبر الله رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يخبر المؤمنين بأنهم غالبون للمشركين لآمنوا بذلك إيماناً عقلياً، لا يحصل منه ما يحصل من التصوير بالمحسوس، ولو لم يخبرهم، أو لم يُرِهْ ربه تلك الرؤيا لحسب المسلمون للمشركين حساباً كبيراً شوش عليهم اطمئناهم وثقتهم، لأنهم معروفون بأنهم أقوى من المسلمين بكثير.
وقوله:{وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ}، أي لجبنتم وهبتم الإقدام، وجمع ضمير الخطاب في الجزاء مع إفراده في الشرط، لأنه كما قيل إن الجبن يعرض لهم لا له - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لأنه سبحانه لو أراهم رؤيا مماثلة للحالة التى تبصرها الأعين من المشركين لدخل قلوب المؤمنين الفشل، فأراد الله تعالى ألا يدخل قلوب المسلمين هلع أو جبن من الأصلى إكراماً لهم، وإن كان قد ضمن لهم النصر.
وكذلك ثَّم سبب آخر ذكرته الآية، وهو الاختلاف في أمر القتال أوخطته إذال للعهد بقوله:{وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ}، فكانت الرؤيا حسماً لهذا الاختلاف وقطعاً لدابر الفرقة في مثل هذا الموقف العصيب فكانت برداً وسلاماً على المؤمنين إذاً.
وجاء قوله تعالى:{وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ}، ليؤكد ذلك، ويمن به على المؤمنين إذ أنعم بالسلامة من الفشل والتنازع، فكان هذا الاستدراك رافعاً لما يفرض من قوله:{وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا}[الأنفال: ٤٣]، مع أنه جاء – أي الاستدراك – ليشعر فعلاً أنهم كُثُر في الواقع، ولكن جاء ليفرغ هذه الكثرة في واقعها من أي عوامل يمكن أن يكون لها أثرها في المسلمين. ومفعول {سَلَّمَ}، متعلقه محذوفين ايجازاً ليكون التقدير: سلمكم من الفشل والتنازع؛ بأن سلمكم من سببهما وهي إراءتكم واقع عدد المشركين، لأن الاطلاع على كثرة العدد يلقى في النفوس تهيباً وتخوفاً منه، وذلك يُنْقِصُ شجاعة المسلمين، الذين أراد الله لهم موفور