وهو من عطف الجمل كلام مبتدأ به، إذ لما نفي القلى بُشر بأن آخرته خير من أولاه، وأن عاقبته أحسن من بدأته، وأن الله خاتم له بأفضل مما قد أعطاه في الدنيا والآخرة. يقول الطاهر بن عاشور (١) ما حاصله: والتعريف في {وَلَلْآخِرَةُ} و {الْأُولَى} يؤذن بالعموم الذي يشمل استمرار الخير كله للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومنه استمرار الوحي.
وتعبير الآخرة غلب في اصطلاح القرآن الكريم على الحياة الآخرة والدار الآخرة، كما غلب لفظ الدنيا على حياة الناس هذه التي قبل انخرام هذا العالم، ومقصودنا من ذكر ذلك، ما أكرم الله به نبيه، وأثنى عليه به من أن المراد من كلا اللفظين كلا معنييه وهما:
المعنى الأول: أن الحياة الآخرة خير له من هذه الحياة العاجلة؛ تبشيراً له بالخيرات الأبدية.
المعنى الثاني: الإيماء إلى أن عودة الوحي عليه هذه المرة خير مما سبق، وتكفل الله تعالى له بأن لا ينقطع عنه نزول الوحي من بعد.
ثم يشير إلى الأمرين معاً فيقول: فاللام في {وَلَلْآخِرَةُ} و {الْأُولَى} لام الجنس، أي كل آجل أمره هو خير من عاجله في هذه الدنيا وفي الأخرى.
والكلام يشير إلى معاني ثناء الله على رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تصريحاً واستنباطاً من الكلام الكريم إلا أن السياق يقتضينا أن نلمح إلى أن حمل الكلام على الدنيا أولى وإن كان العموم كما قال يشمل الآخرة؛ وذلك لما يأتي:
أولاً: أن المشركين مخاطبين بالقرآن، وهم لا يؤمنون بالآخرة كما هو معلوم من
(١) انظر الطاهر بن عاشور "التحرير والتنوير" (٣٩٧/ ٣٠).