للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثاني: أن رحمته سبحانه وسعت كل شيء، أما صلاته فهي خاصة بأنبيائه ورسله وعباده المؤمنين، فليست الصلاة إذن مرادفة للرحمة، لكن الرحمة ثمرة من ثمرات الصلاة، ولازم من لوازمها، وهذا كثيرًا ما يأتي في تفسير ألفاظ القرآن، وألفاظ الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حيث تفسر اللفظة بلازمها وجزء معناها، كتفسير الريب بالشك، والشك جزء مسمى الريب، وتفسير المغفرة بالستر، ونظائر ذلك كثيرة.

الثالث: أن الصلاة لا تعرف في اللغة الأصلية بمعنى الرحمة أصلاً، والمعروف عند العرب من معناها إنما هو الدعاء والتبريك والثناء، قال الشاعر:

وإن ذُكِرَت صَلَّى عليها وزَمزَمَا

أي: بَرَّك عليها ومدحها، ولا تعرف العرب قَطُّ "صلى عليه" بمعنى الرحمة؛ فالواجب حمل اللفظة على معناها المتعارف في اللغة.

الرابع: أن أكثر المواضع التي تستعمل فيها الرحمة لا يحسن أن تقع فيها الصلاة، كقوله تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: ١٥٦].

وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ربه: "إن رحمتي سبقت غضبي" (١).

وقوله: {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦)} [الأعراف: ٥٦].

وقوله: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (٤٣)} [الأحزاب: ٤٣].

وقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لله أرحم بعباده من الوالدة بولدها" (٢).


(١) أخرجه البخاري (٣٢٥/ ١٣) في التوحيد: باب قول الله "ويحذركم الله نفسه"، ومسلم (٢٧٥١) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٢) أخرجه البخاري (٣٦٠، ٣٦١/ ١٠)، ومسلم (٢٧٥٤) من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>