للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فمواضع استعمال الرحمة في حق الله تعالى، وفي حق العباد لا يحسن استعمال الصلاة في أكثرها، ومن ثم لا يصح تفسير الصلاة بالرحمة.

وضَّحت هذه الأدلة كما هو مبين إذاً أن القول الأول هو الذي يصار إليه ويعتمد في التفسير عليه، ولا ندعي أنه القول الأوحد، إذ ذهب بعض أهل العلم لما رأوا وتحققوا من كون هذا التفسير هو الأقرب إلى روح المعنى، والأوفق بظاهر النص إلى أن يوفقوا بينهما (١)، يجعل الصلاة هنا الرحمة لكنها رحمة خاصة لائقة بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وفي هذا يقول ابن حجر الهيتمي ما ملخصه: وأن مآل هذا القول والذي قبله إلى شيء واحد، والتخالف بينهما إنما هو في اللفظ فقط؛ إذ لا يسع أحد أن يقول: إن صلاة الله على نبيه أو رحمته له بمعنى صلاته على بقية المؤمنين أو رحمته لهم؛ لأن القدر اللائق به - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من ذلك أرفع مما يليق بغيره، فالرحمة وإن شملت الأمرين لكنها بالنسبة للأنبياء أجل وأرفع، وهذا الأجل الأرفع فيه من الخصوص ما ليس في مطلق الرحمة فخص باسم الصلاة، وخص اسمها باستعماله في الأنبياء تمييزًا له ولهم، وتنويهًا لشرفه وشرفهم.

ويستكمل ابن حجر القول بأنه رأى "عياضًا القاضي" صرح بما ذكره نقلاً عن أبي بكر القشيري حيث يقول: الصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تشريف له وزيادة تكرمة وعلى من دون النبي رحمة، وبهذا التقرير يظهر الفرق بين النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبين سائر المؤمنين في أن الله وملائكته يصلون على النبي، مع قوله قبله: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ}.

ومن المعلوم أن القدر الذي يليق به - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من ذلك أرفع مما يليق بغيره، والإجماع منعقد


(١) انظر على سبيل المثال ابن حجر الهيتمي "الدر المنضود" (٢٥)، الألوسي "روح المعاني" (١٠٩ - ١١٠/ ٢٢) وغيرهما.

<<  <   >  >>