للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذ يخشى عليهم في هذه المحن أن يذهب إيمانهم لعدم المبالاة بحقوقه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وله مزيد اتضاح عند قوله: {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ} [الحجرات: ٢].

أما قوله تعالى: {لَا تُقَدِّمُوا} فقد جمع كل التقديم المناسب في حقه، إذ له ثلاثة معان:

الأول: لا تقدموا بمعنى لا تفعلوا التقديم كقولنا: فلان يعطي ويمنع، أي يفعل الإعطاء والمنع، ويكون ترك المفعول للقصد إلى نفس الفعل (١) فيكونون منهيين أبدًا عن فعل التقديم كائنًا ما كان بين يديه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، خاصة وأن التقدم حقيقته المشي قبل الغير.

الثاني: لا تقدموا أمرًا من الأمور، ويكون حذف المفعول للتعميم أي لا تقدموا أي أمر من قول أو فعل حتى تعلموا فيه حكم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكأن المؤمنين مرتبطون برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا ينفكون عنه في كل أحوالهم بخصوص الشرع وعمومه لأن ذلك هو فوزهم في الأولى والآخرة، لأنه كما بين بعد بأنه تقوى الله تعالى.

الثالث: بمعنى التقدم، ومنه مقدمة الجيش، وهو مضارع قَدم القاصر لا مفعول له فكان بهذا الأدب قد جمع له المولى سبحانه ما ينبغي له من أدب المؤمنين كافة معه، وقصر عليه وحده هذه الآداب كافة، لأنه عُلِم من حال البشر أن ذلك لم يكن إلا له - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وللأنبياء من بعده، وحسبك بذلك شرفًا وعلو قدر، يوحي هذا العلو من الشرف بأنه لا يعطيه إلا مالك الملك - سبحانه وتعالى -، إذ لو كان وهب هذه المنازل السابقة لبشر لكان أولى أن يلصقوها بأنفسهم، ويدعوها لذواتهم، ومع ذلك لا تلبث أن تفنى أو تنسى بمضي أصحابها، ولكن انظر إلى بقائها مع رحيل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بغير سلطان يفرضها أو حاكم يجبر الناس عليها، وما ذلك إلا لكونها الرسالة الصادقة، والنبوة الموحى بها من الله - جل جلاله -.


(١) تفسير أبى السعود (إرشاد العقل السليم) طبعة دار الفكر (٥/ ٦٠٧).

<<  <   >  >>