ويبين هذا قوله:{لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}، وإن المؤمنين لم يعرفوا مراد الله إلا من جهة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويكون المعنى: لا تقدموا بين يدي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإنما ذكر قبله اسم الله للتنبيه على أن التقديم بين يديه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما هو تقديم بين يدي الله تعالى، وتهجين هذا الفعل واستقباحه وهو أن تفعل بين يدي المعظم ما تقدم به فعلك أو قولك.
ويكون المقصود من الآية النهي عن إبرام شيء دون إذن من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نفسه، ويحصل معنى آخر وهو الأمر باتباع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في كل أمر من أمور المؤمن، ولا ينفرد عنه، وهو ما يبرهن عليه التركيب، إذ هو تمثيل بتشبيه حال من يفعل فعلاً دون إذن من الله ورسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بحال من يتقدم مماشيه في مشيه ويتركه خلفه، ووجه الشبه الانفراد عنه في الطريق، فهو أدب إذا باق إلى نهاية الدنيا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ولا بأس من ذكر سبب نزول هذه الآيات الكريمات أولاً: لنبرهن به على ما كان عليه أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في التنافس على اتباع تعاليمه والتأدب بأحسن الأدب معه ليكون في ذلك قدوة للمصدقين بنبوة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المؤمنين به، وعلامة بارزة على أنهم إنما كانوا يفعلون ذلك طاعة لله - سبحانه وتعالى -، عندما صدقوا بنبوة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأيقنوا بصحة الوحي وصدقه إليه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو ما يدل على أنه رسول الله حقًا. ثانيًا: لنمهد به للأدب الثاني وهو عدم رفع الصوت عنده وهذا السبب لنزول الآية له شقان:
الأول: المتعلق بالأعراب من بني تميم الذين نزلت الآيات لترشدهم مع التوبيخ إلى أصول الأدب مع الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
الثاني: وهو المتعلق بالخيرين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
وسنقتصر على ما رواه البخاري في صحيحه؛ لأنه أيا ما كان السبب فهو يدور حول أدب التعامل مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والتحذير الشديد من مخالفة ذلك، روى البخاري بسنده إلى ابن