للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الزبير - رضي الله عنه - قال: "قدم ركب من بني تميم على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال أبو بكر: أمر عليهم القعقاع بن معبد بن زرارة، وقال عمر: بل أمر الأقرع بن حابس، قال أبو بكر: ما أردت إلا خلافي

(أو إلى خلافي)، قال عمر: ما أردت خلافك أو إلى خلافك فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما في ذلك فنزل: {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (٢)} [الحجرات: ١، ٢].

جعلت هذه الآية توطئة للنهي عن رفع الأصوات عند رسول الله، والجهر بالقول، وندائه من وراء الحجرات؛ لأن من خصه الله تعالى بهذه الحظوة والمرتبة العالية من جعل إبرام العمل بدون أمره كإبرامه بدون أمر الله حقيق بالتهيب والإجلال أن يخفض الصوت عنده.

ومن ثم جعلت هذه الآية في صدر السورة مقدمة على توبيخ وفد من بني تميم حين نادوا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من وراء الحجرات حيث ذلك من قبيل رفع الصوت عنده، وإن مماراة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما كانت في نفس قصة بني تميم فكانت الآية تمهيدًا لقوله تعالى: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} (١)

وباستكمال تحليل الآية الكريمة نصل إلى ختامها في قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١)}.

أما العطف في قوله {وَاتَّقُوا} فهو تكملة للنهي عن التقدم بين يدي الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليدل


(١) انظر أبا السعود "إرشاد العقل السليم" (٦٠٧/ ٥)، والطاهر بن عاشور "التحرير والتنوير" (٢١٧/ ٢٦)، والفخر الرازي "التفسير الكبير" كل ذلك بتصريف.

<<  <   >  >>