للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على أن ترك إبرام شيء دون إذن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من تقوى الله وحده، وأن ضده ليس من التقوى، ليرد ذلك قول مدعي التقوى اليوم، وأنها في القلب يريدون بذلك هدم الإسلام بالتحلل من اتباع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والتزام تعاليمه والاقتداء به، فيه الرد إذًا عليهم بأن ما فيه (هم) مضاد للتقوى، وهم ليسوا منها في شيء.

وكانت جملة {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١)} في موضع العلة للنهي عن التقدم بين يدي الله ورسوله، والأمر بتقوى الله (١)، وهي كناية عن التحذير من المخالفة لكون الله تعالى سميعاً بما يقولون عليماً بما يدبرون من مخالفته ليرعوي ولينزجروا بذلك، ففي ذلك تأكيد للنهي والأمر.

وجاء الأدب الثاني الذي انتظمته الآيات الكريمات، وهو عدم رفع أصواتهم فوق صوت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} وذلك في مجلسه وحضرته إذا كلم بعضكم بعضًا.

وقد تحصل من هذا النهي معنى الأمر بتخفيض الأصوات عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكان الصحابة عنوان هذا الاحترام والأخذ بأحكامه، فما كان يفد أحد من البادية على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إلا نبهوه على هذا الأدب.

قال صفوان بن عسال - رضي الله عنه - في حديثه الطويل -: كنا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سفر، إذ ناداه أعرابى بصوت له جهورى: يا محمد فأجابه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحواً من صوته: هاؤم! فقلنا له: ويحك! اُتغضض من صوتك، فإنك عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد نهيت عن هذا ... . (٢)


(١) التحرير والتنوير (ابن عاشور) الدار الجماهيرية، المجلد (٢٥ - ٢٦/ ٢١٩).
(٢) رواه الترمذى (٣٤٥٨)، وقال هذا حديث حسن صحيح، وقد أقتصرنا على موضع الشاهد.

<<  <   >  >>