للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونعود إلى تحليل الآية:

- الآية في النهي عن التجاوز في كيفية القول عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد النهي عن التجاوز في القول والفعل، كأنه تفصيل لشيء من مفردات النهي الأول وضرب المثل له.

- وإعادة النداء مع قرب العهد بالنداء الأول للمبالغة في إيقاظ المؤمنين وتنبيههم، مع إظهار الاهتمام بهذا الغرض الجديد، والإشعار باستقلال كل من الكلامين لأنه كان يمكن أن يكون السياق: لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ولا ترفعوا أصواتكم ... ولكن حتى لا ينغمر الغرض الثاني في الأول، إذا هذا الثاني من آداب سلوك المؤمنين في معاملة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والتي تدل بدلالة الفحوى على ما هو آكد من المعاملات مع النبي صلوات الله وسلامه عليه من باب الأولى، لذلك أفرد بالتنبيه مرة أخرى (١).

- وحقه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ألا يرفع عنده الصوت حيًا ولا ميتًا، فكان عمر - رضي الله عنه - يزجر من يرفع صوته عند مقام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تأدبًا بهذا الأدب، وسلوكًا لهذا الواجب وكذا لا يرفع الصوت على سنته ميتًا، فما دام قد تحقق من كون الأمر سنة من سنته فمن واجب التأدب أن يقول قول المؤمنين المتقين: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [البقرة: ٢٨٥]. (٢)

- والرفع مستعار لجهر الصوت جهرًا يتجاوز معتاد الكلام، وهو إما من تشبيه جهر الصوت بإعلاء الجسم في أنه أشد بلوغًا إلى الأسماع كما أن إعلاء الجسم أوضح له في الإبصار، أو من تشبيه إلقاء الكلام بجهر قوي بإلقائه من مكان مرتفع كالمئذنة، فالأول على سبيل الاستعارة المكنية والثاني على طريقة الاستعارة التبعية.


(١) انظر أبا السعود "إرشاد العقل السليم"، والطاهر بن عاشور "التحرير والتنوير" (٢١٩/ ٢٦).
(٢) انظر ابن القيم "بدائع التفسير"، ... وغيره.

<<  <   >  >>