للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أطلت في نقل تلك الآيات وإن اقتصرت عليها لتكون بداية دراسة حديث العصمة للأنبياء خاصة رسولنا محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهي من منهجنا الجديد في البحث، وهو ذكر الأنبياء وما حدث لهم مع المقارنة بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ونبدأ بقوله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ} أي لما بلغ يوسف - عليه السلام - منتهى اشتداد جسمه وقوته - أي ما بين الثلاثين والأربعين - آتيناه حكمًا وعلمًا وتنكيرهما للتفخيم من شأنهما أي حكمًا وعلمًا فخمًا لا يقادر قدرهما إلا الله، والحكم هو العليم المؤيد بالعمل، أو حكمًا بين الناس أو النبوة، وكل ذلك متحقق فيه - عليه السلام -، وكذلك العلم هو التفقه العالي في الدين (١)، ويحسن هنا أن نشير إلى قول آخر للإمام الفخر الرازي في المسألة الثالثة - في تفسير الحكم والعلم أقوال:

القول الأول:

أن الحكم والحكمة أصلها حبس النفس عن هواها، ومنعها مما يشينها، فالمراد من الحكم الحكمة العملية، والمراد من العلم الحكمة النظرية، وإنما قدم الحكمة العملية هنا على النظرية، لأن أصحاب الرياضات يشتغلون بالحكمة العملية، ثم يترقون على الحكمة النظرية ... وهي طريقة يوسف - عليه السلام -، لأنه صبر على البلاء والمحنة ففتح الله عليه أبواب المكاشفات، فلهذا السبب قال: {آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا}. (٢)

وكذلك هذا القول يبين مدى ما وصل إليه يوسف - عليه السلام - من الحكمة والعلم الحافظين له عما يشين النفس، أو يعرضها للتهمة، أو يجعلها غرضًا لسهام النقد أو التنقص،


(١) أبا السعود "إرشاد العقل السليم" (٩٢/ ٣).
(٢) انظر الفخر الرازي "التفسير الكبير" (٢٠/ ٩). الناشر دار الغد العربي ط الأولى ١٤٩٢ هـ - ١٩٩٢ م، ويقول العلامة الطاهر بن عاشور: "والحكم والحكمة مترادفان، وهو: علم حقائق الأشياء والعمل بالصالح، واجتناب ضده" التحري والتنوير (٢٤٨/ ١٢).

<<  <   >  >>