للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويدل لهذا القول وما سبقه قوله تعالى: "وكذلك نجزي المحسنين" وفيها معانٍ:

الأول: وصف يوسف - عليه السلام - بالإحسان، وإذ هو نبي فلابد أن يكون في الدرجة العالية من الإحسان، لأن تعليق الجزاء المذكور بالمحسنين إشعار بعلية الإحسان له، وتنبيه على أنه سبحانه إنما آتاه ما آتاه لكونه محسنًا في أعماله، متقيًا في عنفوان أمره.

الثاني: أن ذلك الإحسان جزاء على ما كان من يوسف في تحمل الشدائد والأحزان، والثبات على طاعة الله ومرضاته، واجتناب مساخطه وما يغضبه - سبحانه وتعالى -: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (٦٠)} [الرحمن: ٦٠]، وقد رأينا ذلك سجنه وشدته من نظرة السجناء معه عند طلبهم منه أن يؤول لهم الرؤيا بقولهم: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٣٦)}، وهي شهادة من الكفرة له، بدون سابق معرفة إلا مطالعة محياه الطاهر عليه السلام.

الثالث: {كَذَلِكَ} الكاف للتشبيه، أي ومثل ذلك الجزاء العجيب نجزي كل من يحسن في عمله، حيث اسم الإشارة للبعيد دليل على بعد منزلة هذا الجزاء وعظمها. (١)

وذلك كله يوضح في ضمن ما سيذكر أن سيدنا يوسف - عليه السلام - كان في المنزلة الرفيعة من حفظ النفس ومرضاة الرب، وأن جزاء الله له محيط به يحفظه بحفظه، ويكلؤه بكلاءته. وذلك كله قبل ذكر مراودة امرأة العزيز له.

ولقد ذكرت سورة يوسف في الآيات المبكرة منها أن يوسف - عليه السلام - في محل اجتباء الله له واصطفائه إياه، من حيث قص رؤياه وهو غلام صغير على أبيه يعقوب عليهما السلام، وذلك في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى


(١) انظر الزمخشرى "الكشاف" (١٥٧/ ٣)، البيضاوى "أنوار التنزيل" (١٤٠/ ٣)، أبا السعود "إرشاد العقل السليم" (٩٢/ ٣).

<<  <   >  >>