وهذه الآية الكريمة تشتمل على محاسن من المعاني التي تشترك مع غيرها فيما بعد لتكون الصورة المشرقة عن عصمة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وعصمة الأنبياء عليهم السلام.
وأول ذلك: العناية الربانية بهؤلاء المصطفين الأخيار من صغرهم، وذلك في قوله تعالى .... وكذلك فالواو عاطفة لهذا الكلام على قوله:{لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ} إعلامًا ليوسف - عليه السلام - بعلو قدره ومستقبل كماله، كي يزداد تمليًا من سمو الأخلاق، فيتسع صدره لاحتمال إخوته، صفحًا عن غيرتهم وحسدهم، وليكون كلام الأب نصحًا خالصًا تنفي عنه البغضاء ونحوها، وهي حكمة نبوية عظيمة، وطب روحاني ناجح، وقد آتى ذلك ثمرة كما هو يتضح من نهاية القصة في تعامل يوسف - عليه السلام - مع إخوته.
والكاف للتشبيه، وهو ما يلفت النظر ويثير الانتباه، أي مثل هذا الاصطفاء الذي دلت عليه الرؤيا من العناية الربانية به يجتبيك ربك في المستقبل، والتشبيه هنا تشبيه تعليل لأنه تشبيه أحد المعلولين بالآخر لاتحاد العلة. وموقع الجار المجرور موقع المفعول المطلق لـ "يجتبيك" المبين لنوع الاجتباء ووجهه.
والاجتباء: هو الاختيار والاصطفاء، ومعنى ذلك أن الله قد اجتباه واختاره واصطفاه في صغره، وهو حال الأنبياء قبل البعثة؛ ليرشدنا ذلك إلى تحليل أحوالهم على هذا المنوال بعد البعثة.
ثانى ذلك: أن هذا الاجتباء والاصطفاء قبل البعثة، وتلك العناية الربانية دليل رفعة شأن في المستقبل وذلك يؤذن بنبوته، وإنما علم يعقوب - عليه السلام - أن رفعة يوسف - عليه السلام - في مستقبله رفعة إلهية لأنه علم أن نعم الله تعالى متناسبة فلما كان ما ابتدأه به من النعم اجتباء وكمالاً نفسيًا تعين أن يكون ما يلحق بها من نوعها.