للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثالثه: أن هذا الاجتباء يتبعه لا شك ارتقاء نفسي من الواردات الإلهية إلى أن يصل إلى النبوة لأنه ذكر بعد ذلك: {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} فهو في تدرج في هذه النعم إلى تمامها، وتمامها هو إعطاؤه أفضل النعم، وهي نعمة النبوة، مما يدل عند الكلام على مراودة امرأة العزيز أن يوسف - عليه السلام - في الترقي إلى الكمال، قد وصل منتهاه، هذا تحليل وسياق الآيات والواقع ليكون الباحث على ذكر من ذلك حال بحثه في آيات العصمة، ليرد مخالفها بهذا التحليل القاطع.

ويمكن أن يكون إتمام النعمة كذلك بضميمة الملك إلى النبوة والرسالة، فيكون المراد إتمام نعمة الاجتباء الأخروي بنعمة المجد الدنيوي. ولذلك كان المعنى في قوله تعالى: {كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ} إن كان المراد من إتمام النعمة النبوة فالتشبيه تام، وإن كان المراد من إتمام النعمة الملك فهو إتمام النعمة على الإطلاق فقد تمت كل النعم عليه - عليه السلام - فأنى يقع بعد ذلك فيما يتنزه عنه غيره ممن لم يصل إلى شيء من تلك النعم، وهو يمكن أن يعيش وأن يموت ولا يقع في شيء من تلك الرذائل.

رابع ذلك: وهو جملة: {إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}، ولها تعلق كبير بما نحن بصدده إذ هي تذييل بتمجيد هذا النعم، وأنها كائنة على وفق علمه وحكمته، فعلمه هو علمه بهذه النفوس التي تصلح لهذه الفضائل، لأنه خلقها لقبول ذلك، وحكمته وضع النعم في مواضعها المناسبة، وذلك تعريض بالثناء على يوسف - عليه السلام - لعلم الله تعالى بكونه من هذه النفوس الصالحة التي يصلح لهذه النعم الكاملة وحكمته التي اقتضت وضع هذه النعم موضعها المناسب.

نعود إلى بداية الآيات التي بدأنا بها لنستكمل تحليلها، وهي من قوله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا}.

لما بلغ يوسف - عليه السلام - أشدة آتاه ربه سبحانه وتعالى العلم والحكمة، ووصل إلى أعلى

<<  <   >  >>