درجات الرقى الدينى والأخلاقى؛ بتمام تلك النعم عليه، وبدأ فصل جديد هو مراودة امرأة العزيز له عن نفسه.
ويبدأ هذا المقطع بمراودة امرأة العزيز ليوسف - عليه السلام -، وقد أُوتي العلم والحكمة، وبلغ عنفوان الشباب والقوة، وهو في بيتها، وغلقت الأبواب، وننظر في هذه الآيات نظرة تحليلية دقيقة فاحصة لنرى ما يأتي:
أولاً: إن قوله تعالى: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا} رجوع إلى شرح ما جرى عليه في منزل العزيز بعدما أمر امرأته بإكرام مثواه، فكان قوله تعالى:{وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ} استطراد اعتراض بين الأمر بإكرام مثواه وبين المراودة جيء به أنموذجًا للقصة ليعلم السامع من أول الأمر أن ما لقيه - عليه السلام - من الفتن التي ستحكى بتفاصيلها له غاية جميلة، وعاقبة حميدة، وأنه - عليه السلام - محسن في جميع أعماله، لم يصدر عنه في حالتي السراء والضراء، ما يخل بنزاهته (١)، إذ كيف يكون ذلك وملخص القصة في بدايتها التمكين والإنجاء، وبل التمكين البالغ المستفاد من قوله تعالى:{وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا} لأننا لو أجرينا اسم الإشارة على قياس كثير من أمثاله في القرآن الكريم، كقوله تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}[سورة البقرة: ١٤٣]، كان التمكين المستفاد منه {مَكَّنَّا لِيُوسُفَ} تنويهًا بأن ذلك التمكين بلغ غاية ما يطلب من نوعه، بحيث لو أريد تشبيهه بتمكين أتم منه لما كان إلا يشبه بنفسه بنحو قول النابغة:
والسفاهة كاسمها
فيكون الكاف في محل نصب على المفعول المطلق. والتقدير: مكنا ليوسف تمكينًا كذلك التمكين، وإن أجرينا اسم الإشارة على ما يحتمله اللفظ كان الحاصل هو المذكور