للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَبِ قَبْلَ كُلِّ الدُّهُورِ، نُورٌ مِنْ نُورٍ، إِلَهٌ حَقٌّ مِنْ إِلَهٍ حَقٍّ، مِنْ جَوْهَرِ أَبِيهِ، مَوْلُودٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، مُسَاوٍ الْأَبَ فِي الْجَوْهَرِ، فَصَرَّحْتُمْ بِالْإِيمَانِ مَعَ خَالِقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بِرَبٍّ وَاحِدٍ مَخْلُوقٍ، مُسَاوٍ الْأَبَ ابْنِ اللَّهِ الْوَحِيدِ، وَقُلْتُمْ: هُوَ إِلَهٌ حَقٌّ مِنْ إِلَهٍ حَقٍّ مِنْ جَوْهَرِ أَبِيهِ.

وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِالْإِيمَانِ بِإِلَهَيْنِ، أَحَدُهُمَا مِنَ الْآخَرِ، وَعِلْمُ اللَّهِ الْقَائِمُ بِهِ، أَوْ كَلَامُهُ أَوْ حِكْمَتُهُ الْقَائِمَةُ بِهِ الَّذِي سَّمَيْتُمُوهُ ابْنًا، وَلَمْ يُسَمِّ أَحَدٌ مِنَ الرُّسُلِ صِفَةَ اللَّهِ ابْنًا لَيْسَ هُوَ إِلَهٌ حَقٌّ مِنْ إِلَهٍ حَقٍّ، بَلْ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَهَذَا صِفَةُ الْإِلَهِ، وَصِفَةُ الْإِلَهِ لَيْسَتْ بِإِلَهٍ، كَمَا أَنَّ قُدْرَتَهُ وَسَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَسَائِرَ صِفَاتِهِ لَيْسَ بِآلِهَةِ، وَلِأَنَّ الْإِلَهَ وَاحِدٌ، وَصِفَاتِهِ مُتَعَدِّدَةٌ، وَالْإِلَهَ ذَاتٌ مُتَّصِفَةٌ بِالصِّفَاتِ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا، وَالصِّفَةَ قَائِمَةٌ بِالْمَوْصُوفِ، وَلِأَنَّكُمْ سَمَّيْتُمُ الْإِلَهَ جَوْهَرًا، وَقُلْتُمْ: هُوَ الْقَائِمُ بِنَفْسِهِ، وَالصِّفَةُ لَيْسَتْ جَوْهَرًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ.

وَهُمْ فِي هَذِهِ الْأَمَانَةِ قَدْ جَعَلُوا اللَّهَ وَالِدًا وَهُوَ الْأَبُ، وَمَوْلُودًا وَهُوَ الِابْنُ، وَجَعَلُوهُ مُسَاوِيًا لَهُ فِي الْجَوْهَرِ، وَقَدْ نَزَّهَ اللَّهُ نَفْسَهُ عَنِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ، فَقَالُوا: مَوْلُودٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ مُسَاوٍ الْأَبَ فِي الْجَوْهَرِ، فَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ مُسَاوٍ لَهُ فِي الْجَوْهَرِ، وَالْمُسَاوِي لَيْسَ هُوَ الْمُسَاوَى.

وَلَا يُسَاوِي الْأَبُ فِي الْجَوْهَرِ إِلَّا جَوْهَرٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الِابْنُ جَوْهَرًا ثَانِيًا، وَرُوحُ الْقُدُسِ جَوْهَرًا ثَالِثًا كَمَا سَيَأْتِي.

وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِإِثْبَاتِ ثَلَاثَةِ جَوَاهِرَ، وَثَلَاثَةِ آلِهَةٍ، وَيَقُولُونَ مَعَ ذَلِكَ: إِنَّمَا نُثْبِتُ جَوْهَرًا وَاحِدًا وَإِلَهًا وَاحِدًا، وَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>