حَيَا يَحْيَا حَيَاةً، وَلَا يُقَالُ حَيَا كَذَا وَلَا بِكَذَا، وَإِنَّمَا يُقَالُ: أَحْيَا كَذَا، وَالْإِحْيَاءُ فِعْلٌ غَيْرُ كَوْنِهِ حَيًّا، كَمَا أَنَّ التَّعْلِيمَ غَيْرُ الْعِلْمِ، وَالْإِقْدَارَ غَيْرُ الْقُدْرَةِ، وَالتَّكْلِيمَ غَيْرُ التَّكَلُّمِ، ثُمَّ جَعَلْتُمْ رُوحَ الْقُدُسِ هَذَا نَاطِقًا فِي الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ -، وَحَيَاةُ اللَّهِ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِهِ لَا تَحِلُّ فِي غَيْرِهِ، وَرُوحُ الْقُدُسِ الَّذِي تَكُونُ فِي الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ لَيْسَ هُوَ حَيَاةَ اللَّهِ الْقَائِمَةَ بِهِ، وَلَوْ كَانَ رُوحُ الْقُدُسِ الَّذِي فِي الْأَنْبِيَاءِ هُوَ أَحَدَ الْأَقَانِيمِ الثَّلَاثَةِ لَكَانَ كُلٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَهًا مَعْبُودًا قَدِ اتَّحَدَ نَاسُوتُهُ بِاللَّاهُوتِ كَالْمَسِيحِ عِنْدَكُمْ، فَإِنَّ الْمَسِيحَ لَمَّا اتَّحَدَ بِهِ أَحَدُ الْأَقَانِيمِ صَارَ نَاسُوتًا وَلَاهُوتًا، فَإِذَا كَانَ رُوحُ الْقُدُسِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ الْأَقَانِيمِ الثَّلَاثَةِ نَاطِقًا فِي الْأَنْبِيَاءِ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمْ فِيهِ لَاهُوتٌ وَنَاسُوتٌ كَالْمَسِيحِ وَأَنْتُمْ لَا تُقِرُّونَ بِالْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ إِلَّا لِلْمَسِيحِ وَحْدَهُ مَعَ إِثْبَاتِكُمْ لِغَيْرِهِ مَا ثَبَتَ لَهُ.
وَهُمْ تَارَةً يُشَبِّهُونَ الْأُقْنُومَيْنِ - الْعِلْمَ وَالْحَيَاةَ الَّتِي يُسَمُّونَهَا الْكَلِمَةَ وَرُوحَ الْقُدُسِ - بِالضِّيَاءِ وَالْحَرَارَةِ الَّتِي لِلشَّمْسِ، مَعَ الشَّمْسِ وَيُشَبِّهُونَ ذَلِكَ بِالْحَيَاةِ وَالنُّطْقِ الَّذِي لِلنَّفْسِ مَعَ النَّفْسِ، وَهَذَا تَشْبِيهٌ فَاسِدٌ، فَإِنَّهُمْ إِنْ أَرَادُوا بِالضِّيَاءِ وَالْحَرَارَةِ مَا يَقُومُ بِذَاتِ الشَّمْسِ، فَذَلِكَ صِفَةٌ لِلشَّمْسِ قَائِمَةٌ بِهَا لَمْ تَحِلَّ بِغَيْرِهَا وَلَمْ تَتَّحِدْ بِغَيْرِهَا، كَمَا أَنَّ صِفَةَ النَّفْسِ كَذَلِكَ هَذَا إِنْ قِيلَ إِنَّ الشَّمْسَ تَقُومُ بِهِ حَرَارَةٌ، وَإِلَّا فَهَذَا مَمْنُوعٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute