للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ - صَارَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَقُولُونَ: مَوْجُودٌ حَيٌّ عَالِمٌ، وَطَائِفَةٌ يَقُولُونَ: مَوْجُودٌ عَالِمٌ قَادِرٌ، فَيَجْعَلُونَ الْقَادِرَ مَكَانَ الْحَيِّ، وَيَجْعَلُونَ رُوحَ الْقُدُسِ هُوَ الْقُدْرَةَ.

وَهَذَا الْقَوْلُ وَإِنْ كَانَ أَحْسَنَ فِي الْمَعْنَى، لَكِنَّ تَفْسِيرَ رُوحِ الْقُدُسِ بِالْقُدْرَةِ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ الَّذِي يَظْهَرُ فَسَادُهُ لِكُلِّ أَحَدٍ.

وَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ إِثْبَاتِ أُقْنُومِ الْكَلِمَةِ الَّذِي يَقُولُونَ تَارَةً: هِيَ الْعِلْمُ، وَتَارَةً: هِيَ الْحِكْمَةُ، وَيُسَمُّونَهَا تَارَةً: النُّطْقَ كَمَا سَمَّوْهَا فِي كِتَابِهِمْ هَذَا، لِأَنَّ الَّذِي اتَّحَدَ بِالْمَسِيحِ عِنْدَهُمْ هُوَ أُقْنُومُ الْكَلِمَةِ، فَصَارُوا تَارَةً يَضُمُّونَ إِلَيْهَا الْحَيَاةَ، وَتَارَةً يَضُمُّونَ إِلَيْهَا الْقُدْرَةَ.

وَالْأَبُ تَارَةً يَقُولُونَ: هُوَ الْوُجُودُ، وَتَارَةً يَقُولُونَ: الْقَائِمُ بِنَفْسِهِ، وَتَارَةً يَقُولُونَ: الذَّاتُ، وَتُسَمَّى الْقَائِمُ بِنَفْسِهِ بِالسُّرْيَانِيَّةِ: الْكِيَانَ، وَتَارَةً يَقُولُونَ: الْجُودَ.

وَكُلُّ هَذَا مِنَ الْحَيْرَةِ وَالضَّلَالِ، لِأَنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ ثَلَاثَ مَعَانٍ هِيَ الْمُسْتَحِقَّةَ لِأَنْ تَكُونَ جَوْهَرِيَّةً دُونَ غَيْرِهَا مِنَ الصِّفَاتِ، سَوَاءٌ فُسِّرَتِ الْجَوْهَرِيَّةُ بِأَنَّهَا جَوَاهِرُ، أَوْ بِأَنَّهَا ذَاتِيَّةٌ مُقَوِّمَةٌ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ.

وَمِنْهَا قَوْلُهُم: تَجْرِي مَجْرَى أَسْمَاءٍ، فَإِنْ أَرَادُوا بِذَلِكَ أَسْمَاءَ أَعْلَامٍ أَوْ جَامِدَةً، وَسَائِرُهَا صِفَاتٌ، فَاسْمُ الْحَيِّ وَالْعَالِمِ اسْمٌ مُشْتَقٌّ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الْعِلْمِ وَالْحَيَاةِ، كَمَا يَدُلُّ الْقَدِيرُ عَلَى الْقُدْرَةِ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنَّهُ يُسَمَّى بِهَا، فَلِلَّهِ تَعَالَى أَسْمَاءٌ كَثِيرَةٌ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>