للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْ أَسْمَائِهِ الْقَدِيرُ، وَالْقُدْرَةُ تَسْتَلْزِمُ مِنْ قُدْرَتِهِ عَلَى الْمَخْلُوقَاتِ مَا لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْعِلْمُ، وَخَلْقُهُ لِلْمَخْلُوقَاتِ يَدُلُّ عَلَى قُدْرَتِهِ أَبْلَغَ مِنْ دَلَالَتِهِ عَلَى عِلْمِهِ، وَاخْتِصَاصُهُ بِالْقُدْرَةِ أَظْهَرُ مِنَ اخْتِصَاصِهِ بِالْعِلْمِ، حَتَّى إِنَّ طَائِفَةً مِنَ النُّظَّارِ كَأَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَغَيْرِهِ يَقُولُ: أَخَصُّ وَصْفِهِ الْقُدْرَةُ عَلَى الِاخْتِرَاعِ، فَلَا يُوصَفُ بِذَلِكَ غَيْرُهُ.

وَالْجَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ قَبْلَهُ يَقُولُ: لَيْسَ فِي الْوُجُودِ قَادِرٌ غَيْرُهُ، وَلَا لِغَيْرِهِ قُدْرَةٌ، وَالْأَشْعَرِيُّ وَإِنْ أَثْبَتَ لِلْمَخْلُوقِ قُدْرَةً، لَكِنْ يُثْبِتُ قُدْرَةً لَا تُؤَثِّرُ فِي الْمَقْدُورِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ الْعُقَلَاءِ: إِنَّ أَخَصَّ وَصْفِهِ الْحَيَاةُ وَالْعِلْمُ، وَلَا إِنَّ غَيْرَهُ لَيْسَ بِحَيٍّ وَلَا عَالِمٍ، فَكَانَ جَعْلُ الْقَدِيرِ اسْمًا وَغَيْرِهِ صِفَةً - إِنْ كَانَ الْفَرْقُ حَقًّا - أَوْلَى مِنَ الْعَكْسِ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ الْفَرْقُ بَاطِلًا فَإِنَّ أَسْمَاءَهُ تَعَالَى الَّتِي يَعْرِفُهَا النَّاسُ هِيَ أَسْمَاءٌ، وَهِيَ صِفَاتٌ فِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ تَدُلُّ عَلَى مَعَانٍ، هِيَ صِفَاتُهُ الْقَائِمَةُ بِهِ.

فَالْحَيُّ يَدُلُّ عَلَى الْحَيَاةِ، وَالْعَلِيمُ يَدُلُّ عَلَى الْعِلْمِ، وَالْقَدِيرُ يَدُلُّ عَلَى الْقُدْرَةِ، هَذَا مَذْهَبُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَجَمَاهِيرِ الْأُمَمِ، وَمِنَ النَّاسِ فِرْقَةٌ شَاذَّةٌ تَزْعُمُ أَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ لَا تَدُلُّ عَلَى مَعَانٍ كَأَسْمَاءِ الْأَعْلَامِ، وَقَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ فِيمَا يُسَمَّى بِهِ سُبْحَانَهُ، وَيُسَمَّى بِهِ غَيْرُهُ كَالْحَيِّ وَالْعَلِيمِ وَالْقَدِيرِ.

فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَأَبِي الْعَبَّاسِ النَّاشِيِّ: إِنَّهَا حَقِيقَةٌ فِي الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ مَجَازٌ فِي الْمَخْلُوقِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>