للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الِاسْتِدْلَالُ بِذَلِكَ الدَّلِيلِ، الَّذِي لَا يَصِحُّ إِلَّا بِصِحَّةِ مُقَدِّمَاتِهِ، فَإِذَا كَانَتْ مُقَدِّمَتُهُ لَا تَصِحُّ إِلَّا مَعَ فَسَادِ نَتِيجَتِهِ، وَنَتِيجَتُهُ مُسْتَلْزِمَةً لِفَسَادِ مُقَدِّمَتِهِ - كَانَ الْجَمْعُ بَيْنَ صِحَّةِ الْمُقَدِّمَةِ، وَالنَّتِيجَةِ جَمْعًا بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ.

وَكَذَلِكَ مَنِ اسْتَدَلَّ بِشَيْءٍ مِنَ الْكِتَابِ عَلَى مَا يُنَاقِضُ مَا فِي الْكِتَابِ، كَاسْتِدْلَالِ النَّصَارَى بِآيَاتٍ فِيهِ عَلَى صِحَّةِ دِينِهِم، كَانَ تَنَاقُضًا، فَإِنَّهُ إِنْ صَحَّ ذَلِكَ الدَّلِيلُ، بِأَنْ مَدَحَ دِينَهُمْ مَعَ ذَمِّهِ كَانَ مُتَنَاقِضًا، وَالْكِتَابُ الْمُتَنَاقِضُ لَا يَكُونُ كِتَابَ اللَّهِ.

وَإِنْ فَسَدَ أَحَدُهُمَا، إِمَّا فَسَادُ دِينِهِم، وَإِمَّا فَسَادُ مَدْحِهِ، فَالْكِتَابُ الَّذِي فِيهِ فَسَادٌ لَا يَكُونُ كِتَابَ اللَّهِ، فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ كِتَابَ اللَّهِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ خَبَرَ اللَّهِ، وَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ بِهِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِ الْمُتَكَلِّمِ بِهِ رَجُلًا عَالِمًا حَكِيمًا، وَهَذَا لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ، إِذْ لَيْسَ مَعْصُومًا إِلَّا الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ.

وَالنَّصَارَى يُجَوِّزُونَ أَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا غَيْرُ الْأَنْبِيَاءِ، فَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِم، وَإِنْ قَالُوا: هُوَ رَجُلٌ عَالِمٌ لَيْسَ بِرَسُولٍ مِنَ اللَّهِ قِيلَ لَهُمْ فَهَذَا قَوْلُهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ لِجَوَازِ أَنْ يُخْطِئَ، وَلَكِنْ يُعْتَضَدُ بِقَوْلِهِ، وَأَمَّا إِذَا ادَّعَى أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ، وَهُوَ لَمْ يُرْسِلْهُ بِهَذَا الْكِتَابِ كُلِّهِ - فَهَذَا كَذَّابٌ لَا يُحْتَجُّ بِشَيْءٍ مِنْ كَلَامِهِ، وَلَا يَكُونُ مِثْلُ هَذَا عَدْلًا

<<  <  ج: ص:  >  >>