الِاتِّحَادُ إِلَّا هَكَذَا، لَكِنَّ فَسَادَهُ ظَاهِرٌ لِعُقُولِ النَّاسِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا لَازِمًا لِقَوْلٍ النَّصَارَى وَفَسَادُهُ ظَاهِرًا، كَانَ فَسَادُ اللَّازِمِ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْمَلْزُومِ، فَإِنَّ حَقِيقَةَ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الَّذِي كَانَ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَبُولُ وَيَتَغَوَّطُ، وَالَّذِي ضُرِبَ وَبُصِقَ فِي وَجْهِهِ وَوُضِعَ الشَّوْكُ عَلَى رَأْسِهِ هُوَ رَبُّ الْعَالَمِينَ.
وَنَفْسُ تَصَوُّرِ هَذَا الْقَوْلِ مِمَّا يُوجِبُ الْعِلْمَ بِبُطْلَانِهِ وَتَنْزِيهِ اللَّهِ عَنْ ذَلِكَ، وَأَنَّ قَائِلَهُ مِنْ أَعْظَمِ الْمُفْتَرِينَ عَلَى اللَّهِ، قَالَ تَعَالَى:
{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا} [مريم: ٨٨] (٨٨) {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا} [مريم: ٨٩] (٨٩) {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} [مريم: ٩٠] (٩٠) {أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} [مريم: ٩١] (٩١) {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا} [مريم: ٩٢] (٩٢) {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: ٩٣] (٩٣) {لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا} [مريم: ٩٤] (٩٤) {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم: ٩٥] الْوَجْهُ الْخَامِسُ: قَوْلُهُمْ: وَخَاطَبَ النَّاسَ كَمَا خَاطَبَ اللَّهُ مُوسَى مِنَ الْعَوْسَجَةِ، يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ كَلَّمَهُمْ الْمَسِيحُ مِمَنْ آمَنَ بِهِ وَكَفَرَ بِهِ، بِمَنْزِلَةِ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ الَّذِي كَلَّمَهُ اللَّهُ تَكْلِيمًا.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ تَكْلِيمَ اللَّهِ لِمُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، مِمَّا فَضَّلَهُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ النَّبِيِّينَ، فَإِنْ كَانَ آحَادُ النَّاسِ بِمَنْزِلَةِ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ آحَادِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، وَهَذَا مِمَّا يُعْلَمُ فَسَادُهُ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الرُّسُلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute