هَذَا كَلَامًا مُتَنَاقِضًا، يَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَإِنَّ هَذَا إِنَّمَا يَكُونُ مَعَ التَّمَدُّدِ وَالْمُبَايَنَةِ، لَا مَعَ الِاتِّحَادِ، يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا اتَّحَدَ الْمَاءُ وَاللَّبَنُ، أَوِ الْمَاءُ وَالْخَمْرُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ كَانَ الْحَاصِلُ مِنِ اتِّحَادِهِمَا شَيْئًا ثَالِثًا لَيْسَ مَاءً مَحْضًا وَلَا لَبَنًا مَحْضًا، بَلْ هُوَ نَوْعٌ ثَالِثٌ، وَكُلٌّ مِنَ الْمَاءِ وَاللَّبَنِ قَدِ اسْتَحَالَ وَتَغَيَّرَ وَاخْتَلَطَ، وَأَمَّا اتِّحَادٌ بِدُونِ ذَلِكَ فَغَيْرُ مَعْقُولٍ.
وَلِهَذَا عَظُمَ اضْطِرَابُ النَّصَارَى فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَكَثُرَ اخْتِلَافُهُمْ، وَصَارَ كُلٌّ مِنْهُمْ يَرُدُّ عَلَى الْآخَرِ مَا يَقُولُهُ وَيَقُولُ هُوَ قَوْلًا يَكُونُ مَرْدُودًا، فَكَانَتْ أَقْوَالُهُمْ كُلُّهَا بَاطِلَةً مَرْدُودَةً، إِذْ كَانُوا قَدِ اشْتَرَكُوا فِي أَصْلٍ فَاسِدٍ يَسْتَلْزِمُ أَحَدَ أُمُورٍ كُلُّهَا بَاطِلَةٌ، فَأَيُّ شَيْءٍ أُخِذَ مِنْ تِلْكَ اللَّوَازِمِ كَانَ بَاطِلًا، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهَا فَيَأْخُذُ هَذَا بَعْضَ اللَّوَازِمِ فَيَرُدُّهُ الْآخَرُ، وَيَأْخُذُ الْآخَرُ لَازِمًا آخَرَ فَيَرُدُّهُ الْآخَرُ.
وَهَذَا شَأْنُ جَمِيعِ الْمَقَالَاتِ الْبَاطِلَةِ، إِذَا اشْتَرَكَ فِيهَا طَائِفَةٌ لَزِمَهَا لَوَازِمُ بَاطِلَةٌ، وَفَسَادُ اللَّازِمِ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْمَلْزُومِ، فَإِنَّهُ إِذَا تَحَقَّقَ الْمَلْزُومُ تَحَقَّقَ اللَّازِمُ، وَإِذَا انْتَفَى اللَّازِمُ انْتَفَى الْمَلْزُومُ.
وَهَذَا يَتَبَيَّنُ بِالْوَجْهِ الرَّابِعِ: وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: كَثِيرٌ مِنَ النَّصَارَى يَقُولُ: إِنَّهُمَا بَعْدَ الِاتِّحَادِ جَوْهَرٌ وَاحِدٌ، وَطَبِيعَةٌ وَاحِدَةٌ، وَمَشِيئَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهَذَا الْقَوْلُ يُضَافُ إِلَى الْيَعْقُوبِيَّةِ.
وَيَقُولُونَ: إِنَّ اللَّاهُوتَ وَالنَّاسُوتَ اخْتَلَطَا وَامْتَزَجَا، كَمَا يَخْتَلِطُ الْمَاءُ وَاللَّبَنُ، وَالْمَاءُ وَالْخَمْرُ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ حَقِيقَةُ الِاتِّحَادِ، لَا يُعْقَلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute