صِفَةٌ لَا تَكُونُ ذَاتًا قَائِمَةً بِنَفْسِهَا خَالِقَةً، وَلَوْ لَمْ تَتَّحِدْ بِالنَّاسُوتِ، وَاتِّحَادُهَا بِالنَّاسُوتِ دُونَ الْمَوْصُوفِ مُمْتَنِعٌ لَوْ كَانَ الِاتِّحَادُ مُمْكِنًا، فَكَيْفَ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ؟
فَقَدْ تَبَيَّنَ امْتِنَاعُ كَوْنِ الْكَلِمَةِ تَكُونُ خَالِقَةً مِنْ وُجُوهٍ.
وَإِنْ كَانَ الْخَالِقُ هُوَ الذَّاتَ الْمُتَّصِفَةَ بِالْكَلَامِ، فَذَاكَ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ لِكُلِّ شَيْءٍ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَعِنْدَهُمْ هُوَ الْأَبُ، وَالْمَسِيحُ عِنْدَهُمْ لَيْسَ هُوَ الْأَبَ، فَلَا يَكُونُ هُوَ الْخَالِقَ لِكُلِّ شَيْءٍ، وَالْقُرْآنُ يُبَيِّنُ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي أَذِنَ لِلْمَسِيحِ حَتَّى خَلَقَ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ لَيْسَ هُوَ اللَّهُ وَلَا صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ، فَلَيْسَ الْمَسِيحُ هُوَ اللَّهُ وَلَا ابْنُ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ لِلَّهِ وَلَكِنْ عَبْدُهُ فَعَلَ بِإِذْنِهِ.
الْوَجْهُ السَّابِعُ: قَوْلُهُمْ: فَأَشَارَ بِالْخَالِقِ إِلَى كَلِمَةِ اللَّهِ الْمُتَّحِدَةِ فِي النَّاسُوتِ الْمَأْخُوذِ مِنْ مَرْيَمَ، لِأَنَّهُ كَذَا قَالَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ النَّبِيِّ: " بِكَلِمَةِ اللَّهِ خُلِقَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ". يُقَالُ لَهُمْ: هَذَا النَّصُّ عَنْ دَاوُدَ حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ، كَمَا أَنَّ التَّوْرَاةَ وَالْقُرْآنَ وَسَائِرُ مَا ثَبَتَ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ، فَإِنَّ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: " بِكَلِمَةِ اللَّهِ خُلِقَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ " وَلَمْ يَقُلْ: إِنَّ كَلِمَةَ اللَّهِ هِيَ الْخَالِقَةُ، كَمَا قُلْتُمْ أَنْتُمْ أَنَّهُ أَشَارَ بِالْخَالِقِ إِلَى كَلِمَةِ اللَّهِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْخَالِقِ لِلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَبَيْنَ الْكَلِمَةِ الَّتِي بِهَا خُلِقَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، أَمْرٌ ظَاهِرٌ مَعْرُوفٌ، كَالْفَرْقِ بَيْنَ الْقَادِرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute