وَقَدْ قَالَ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَجُمْهُورُهُمْ: " الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ مِنْهُ بَدَأَ " وَقَالَ فِي الْمَسِيحِ: " {وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء: ١٧١] " قِيلَ: هَذَا بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْمُضَافِ إِلَى اللَّهِ إِنْ كَانَ عَيْنًا قَائِمَةً بِنَفْسِهَا أَوْ صِفَةً فِيهَا كَانَ مَخْلُوقًا، وَإِنْ كَانَ صِفَةً مُضَافًا إِلَى اللَّهِ كَعِلْمِهِ وَكَلَامِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ كَانَ إِضَافَةَ صِفَةٍ، وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِنْهُ إِنْ كَانَ عَيْنًا قَائِمَةً أَوْ صِفَةً قَائِمَةً بِغَيْرِهَا كَمَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالنِّعَمِ، وَالرُّوحِ الَّذِي أَرْسَلَهُ إِلَى مَرْيَمَ، وَقَالَ: " {إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ} [مريم: ١٩] " كَانَ مَخْلُوقًا، وَإِنْ كَانَ صِفَةً لَا تَقُومُ بِنَفْسِهَا وَلَا يَتَّصِفُ بِهَا الْمَخْلُوقُ كَالْقُرْآنِ لَمْ يَكُنْ مَخْلُوقًا، فَإِنَّ ذَلِكَ قَائِمٌ بِاللَّهِ، وَمَا يَقُومُ بِاللَّهِ لَا يَكُونُ مَخْلُوقًا، وَالْمَقْصُودُ هُنَا بَيَانُ بُطْلَانِ احْتِجَاجِ النَّصَارَى وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ فِي ظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَلَا بَاطِنِهِ حُجَّةٌ فِي سَائِرِ كُتُبِ اللَّهِ، وَإِنَّمَا تَمَسَّكُوا بِآيَاتٍ مُتَشَابِهَاتٍ وَتَرَكُوا الْمُحْكَمَ، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ:
{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران: ٧]
وَالْآيَةُ نَزَلَتْ فِي النَّصَارَى، فَهُمْ مُرَادُونَ مِنَ الْآيَةِ قَطْعًا، ثُمَّ قَالَ:
{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: ٧] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute