للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

" رُوحًا " لِأَنَّهُ كُوِّنَ بِالْكَلِمَةِ، لَا كَمَا يُخْلَقُ الْآدَمِيُّونَ غَيْرَهُ، وَيُسَمَّى " رُوحًا "، لِأَنَّهُ حَبِلَتْ بِهِ أُمُّهُ بِنَفْخِ الرُّوحِ الَّذِي نُفِخَ فِيهَا، لَمْ تَحْبَلْ بِهِ مِنْ ذَكَرٍ كَغَيْرِهِ مِنَ الْآدَمِيِّينَ، وَعَلَى هَذَا فَيُقَالُ: لَمَّا خُلِقَ مِنْ نَفْخِ الرُّوحِ وَمِنْ مَرْيَمَ سُمَّيَ " رُوحًا " بِخِلَافِ سَائِرِ الْآدَمِيِّينَ، فَإِنَّهُ يُخْلَقُ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ.

وَالنَّصَارَى يَقُولُونَ فِي أَمَانَتِهِمْ: (تَجَسَّدَ مِنْ مَرْيَمَ وَمِنْ رُوحِ الْقُدُسِ) وَلَوِ اقْتَصَرُوا عَلَى هَذَا، وَفَسَّرُوا رُوحَ الْقُدُسِ بِالْمَلَكِ الَّذِي نَفَخَ فِيهَا وَهُوَ رُوحُ اللَّهِ، لَكَانَ هَذَا مُوَافِقًا لِمَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ، لَكِنَّهُمْ جَعَلُوا رُوحَ الْقُدُسِ حَيَاةَ اللَّهِ وَجَعَلُوهُ رَبًّا وَتَنَاقَضُوا فِي ذَلِكَ، فَإِنَّهُ عَلَى هَذَا كَانَ يَنْبَغِي فِيهِ أُقْنُومَانِ: أُقْنُومُ الْكَلِمَةِ، وَأُقْنُومُ الرُّوحِ، وَهُمْ يَقُولُونَ: لَيْسَ فِيهِ إِلَّا أُقْنُومُ الْكَلِمَةِ، وَكَمَا يُسَمَّى الْمَسِيحُ كَلِمَةً لِأَنَّهُ خُلِقَ بِالْكَلِمَةِ، يُسَمَّى " رُوحًا " لِأَنَّهُ حَلَّ بِهِ مِنَ الرُّوحِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ:

{وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ} [الأنعام: ١١٤]

وَقَالَ:

{تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [الزمر: ١] .

<<  <  ج: ص:  >  >>