للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَلَائِكَةَ بِالذِّكْرِ لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ يَعْلَمُهُ، فَقَالَ: (وَلَا الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ) ، ثُمَّ قَالَ: (وَلَا الِابْنُ يَعْرِفُهُ، وَأَنَّ الْأَبَ وَحْدَهُ يَعْرِفُهُ) ، فَنَفَى مَعْرِفَةَ الِابْنِ، وَأَثْبَتَ أَنَّ الْأَبَ وَحْدَهُ يَعْرِفُهُ، وَمُرَادُهُ بِالِابْنِ الْمَسِيحِ، فَعُرِفَ أَنَّ الْمَسِيحَ لَا يَعْرِفُهُ، وَأَثْبَتَ أَنَّ الرَّبَّ يَعْرِفُهُ دُونَ الِابْنِ، وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ لَفْظَ الِابْنِ عِنْدَ الْمَسِيحِ إِنَّمَا يُرَادُ بِهَا النَّاسُوتُ وَحْدَهُ، إِذْ كَانَ لَا يَجُوزُ نَفْيُ الْعِلْمِ عَنِ اللَّاهُوتِ، فَإِنَّ اللَّاهُوتَ يَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ، وَقَدْ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: (عَمِّدُوا النَّاسَ بِاسْمِ الْأَبِ وَالِابْنِ) ، الْمُرَادُ بِهِ النَّاسُوتُ وَحْدَهُ، كَمَا أُرِيدَ بِلَفْظِ الِابْنِ فِي سَائِرِ كَلَامِهِ وَكَلَامِ غَيْرِهِ لَمْ يُرِدْ قَطُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِلَفْظِ الِابْنِ اللَّاهُوتَ، بَلْ إِطْلَاقُ الِابْنِ عَلَى اللَّاهُوتِ مِمَّا ابْتَدَعَتْهُ النَّصَارَى وَحَمَلُوا عَلَيْهَا كَلَامَ الْمَسِيحِ، فَابْتَدَعُوا لِصِفَاتِ اللَّهِ أَسْمَاءً مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ، وَحَمَلُوا عَلَيْهَا كَلَامَ الْمَسِيحَ، وَإِنَّمَا يُحْمَلُ كَلَامُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَغَيْرِهِمْ عَلَى مَعْنَى لُغَتِهِمُ الَّتِي جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِالتَّكْلِيمِ بِهَا، لَا عَلَى لُغَةٍ يُحْدِثُهَا مَنْ بَعْدَهَمْ وَيُحْمَلُ كَلَامُهُمْ عَلَيْهَا.

قُلْتُ: فَإِنَّ هَذَا الَّذِي فَعَلَتْهُ النَّصَارَى وَأَشْبَاهُهُمْ يَفْتَحُ بَابَ الْإِلْحَادِ فِي كُتُبِ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:

" {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [فصلت: ٤٠] ".

<<  <  ج: ص:  >  >>