للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَغَيْرُهُ إِذَا أُحْرِقَ وَصَارَ نَارًا، فَلَيْسَ هُوَ خَشَبًا مَحْضًا وَلَيْسَ هُوَ نَارًا مَحْضَةً بَسِيطَةً.

فَمِنْ شَأْنِ الشَّيْئَيْنِ إِذَا اتَّحَدَا، أَنْ يَسْتَحِيلَ كُلٌّ مِنْهَا إِلَى جَوْهَرٍ ثَالِثٍ وَطَبِيعَةٍ ثَالِثَةٍ لَيْسَتْ هَذَا وَلَا هَذَا، كَالْمَاءِ وَاللَّبَنِ إِذَا اتَّحَدَا فَإِنَّ ذَلِكَ يَصِيرُ جَوْهَرًا ثَالِثًا وَطَبِيعَةً ثَالِثَةً لَا لَبَنًا مَحْضًا وَلَا مَاءً مَحْضًا، وَكَذَلِكَ النَّارُ مَعَ الْحَدِيدِ أَوِ الْخَشَبِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَصِيرُ جَوْهَرًا ثَالِثًا لَيْسَ حَدِيدًا مَحْضًا وَلَا خَشَبًا مَحْضًا وَلَا نَارًا مَحْضَةً، لَكِنَّ الْحَدِيدَ إِذَا بَرُدَ هُوَ حَدِيدٌ، لَكِنَّهُ تَغَيَّرَتْ حَقِيقَتُهُ، فَالنَّارُ تُلِينُهُ وَتُذْهِبُ خَبَثَهُ وَلَا يَبْقَى بَعْدَ اتِّحَادِهِ بِالنَّارِ كَمَا كَانَ قَبْلُ، وَالْخَشَبُ يَصِيرُ فَحْمًا وَهُوَ جَوْهَرٌ ثَالِثٌ، إِذْ كَانَ مِنْ طَبْعِ النَّارِ أَنَّهَا تُؤَثِّرُ فِي كُلِّ جَسَدٍ بِحَسَبِهِ، فَتُؤَثِّرُ فِي الْحَدِيدِ بِحَسَبِهِ، وَفِي الْخَشَبِ بِحَسَبِهِ.

وَكُلُّ شَيْئَيْنِ اتَّحَدَا فَإِنَّهُمَا يَصِيرَانِ جَوْهَرًا ثَالِثًا وَأُقْنُومًا ثَالِثًا وَطَبِيعَةً ثَالِثَةً.

فَإِنْ كَانَ اللَّاهُوتُ وَالنَّاسُوتُ قَدِ اتَّحَدَا - كَمَا زَعَمُوا - فَقَدِ اسْتَحَالَتْ صِفَةُ اللَّاهُوتِ وَاسْتَحَالَتْ صِفَةُ النَّاسُوتِ، فَلَمْ يَبْقَ اللَّاهُوتُ لَاهُوتًا وَلَا النَّاسُوتُ نَاسُوتًا، بَلْ صَارَا جَوْهَرًا ثَالِثًا لَا لَاهُوتًا وَلَا نَاسُوتًا، وَهُمْ يُنْكِرُونَ هَذَا الْقَوْلَ، وَهُوَ بَاطِلٌ.

فَإِنَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ لَا يَتَبَدَّلُ وَلَا تَسْتَحِيلُ صِفَاتُهُ بِصِفَاتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>