للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُخْتَارَةٌ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ، اصْطَفَاهَا اللَّهُ لِهَذَا التَّدْبِيرِ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ، وَطَهَّرَهَا بِرُوحِ الْقُدُسِ، رُوحِهِ الْجَوْهَرِيَّةِ، حَتَّى جَعَلَهَا أَهْلًا لِحُلُولِ كَلِمَةِ اللَّهِ الْجَوْهَرِيَّةِ بِهَا، فَاحْتَجَبَتِ الْكَلِمَةُ الْخَالِقَةُ بِإِنْسَانٍ مَخْلُوقٍ خَلَقَتْهُ لِنَفْسِهَا، بِمَسَرَّةِ الْأَبِ وَمُؤَازَرَةِ رُوحِ الْقُدُسِ، خَلْقًا جَدِيدًا مِنْ غَيْرِ نُطْفَةٍ آدَمِيَّةٍ جَرَتْ عَلَيْهَا الْخَطِيئَةُ، وَمِنْ غَيْرِ مُجَامَعَةٍ بَشَرِيَّةٍ وَلَا انْفِكَاكِ عُذْرَةِ تِلْكَ الْجَارِيَةِ الْمُقَدَّسَةِ، فَهُوَ إِنْسَانٌ تَامٌّ بِجَسَدِهِ وَنَفْسِهِ الدَّمَوِيَّةِ وَرُوحِهِ الْكَلِمَانِيَّةِ الَّتِي مِنْ صُورَةِ اللَّهِ فِي الْإِنْسَانِ وَشِبْهِهِ، فَكَانَتْ مَسْكَنًا لِلَّهِ فِي حُلُولِهِ وَاحْتِجَابِهِ لِلُطْفِهَا عَنْ جَمِيعِ مَا لَطُفَ مِنَ الْخَلَائِقِ كُلِّهِمْ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُرَى شَيْءٌ مِنْ لَطِيفِ الْخَلْقِ إِلَّا فِي غَلِيظِ الْخَلْقِ، وَلَا يُرَى مَا هُوَ لَطِيفٌ مِنَ اللَّطِيفِ إِلَّا مَعَ مَا هُوَ أَغْلَظُ مِنْهُ فِيمَا يَظْهَرُ لِأَهْلِ الْأَثْقَالِ مِنْ غَلِيظِ الْخَلْقِ.

وَإِنَّا وَجَدْنَا رُوحَ الْإِنْسَانِ الْعَاقِلَةَ الْكَلِمَانِيَّةَ أَلْطَفُ مِنْ لَطِيفِ الْخَلْقِ، فَلِذَلِكَ كَانَتْ أَوْلَى خَلْقِ اللَّهِ بِحِجَابِ اللَّهِ، فَكَانَتْ لَهَا حِجَابًا وَلِمَنْ هُوَ أَلْطَفُ مِنْهَا، وَكَانَتِ النَّفْسُ الدَّمَوِيَّةُ لَهَا حِجَابًا وَالْجَسَدُ الْغَلِيظُ حِجَابًا.

فَعَلَى هَذَا خَالَطَتْ كَلِمَةُ اللَّهِ الْخَالِقَةُ لِنَفْسِ الْإِنْسَانِ الْكَامِلَةُ بِجَسَدِهَا وَدَمِهَا وَرُوحِهَا الْعَاقِلَةِ الْكَلِمَانِيَّةِ، وَصَارَتْ كَلِمَةُ اللَّهِ بِقِوَامِهَا قِوَامًا لِتَثْلِيثِ النَّاسُوتِ الَّتِي كَمُلَ جَوْهَرُهَا بِتَقْوِيمِ قِوَامِ كَلِمَةِ اللَّهِ إِيَّاهَا ; لِأَنَّهَا لَمْ تُخْلَقْ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا إِلَّا بِقِوَامٍ مِنْ كَلِمَةِ اللَّهِ الَّذِي خَلَقَهَا وَكَوَّنَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>