للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا مِنْ شَيْءٍ، لَا سَبَقَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي بَطْنِ مَرْيَمَ، وَلَا مِنْ شَيْءٍ كَانَ لَهَا مِنْ نُطْفَةٍ، وَلَا مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ، غَيْرَ قِوَامِ الْكَلِمَةِ الْخَالِقَةِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ التَّثْلِيثِ الْإِلَهِيِّ، فَذَلِكَ الْقِوَامُ مَعْدُودٌ مَعْرُوفٌ مَعَ النَّاسِ، لَمَّا ضُمَّ إِلَيْهِ وَخَلَقَهُ لَهُ؛ الْتَحَمَ بِهِ مِنْ جَوْهَرِ الْإِنْسَانِ، فَهُوَ - بِتَوْحِيدِ ذَلِكَ الْقِوَامِ الْوَاحِدِ - قِوَامٌ لِكَلِمَةِ اللَّهِ الْخَالِقَةِ، وَاحِدٌ فِي التَّثْلِيثِ بِجَوْهَرِ لَاهُوتِهِ، وَاحِدٌ فِي النَّاسِ بِجَوْهَرِ نَاسُوتِهِ، وَلَيْسَ بِاثْنَيْنِ، وَلَكِنْ وَاحِدٌ مَعَ الْأَبِ وَالرُّوحِ وَهُوَ إِيَّاهُ وَاحِدٌ مَعَ النَّاسِ جَمِيعًا بِجَوْهَرَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ مِنْ جَوْهَرِ اللَّاهُوتِ الْخَالِقِ، وَجَوْهَرِ النَّاسُوتِ الْمَخْلُوقِ، بِتَوْحِيدِ الْقِوَامِ الْوَاحِدِ قِوَامِ الْكَلِمَةِ الَّتِي هِيَ الِابْنُ الْمَوْلُودُ مِنَ اللَّهِ قَبْلَ الْأَدْهَارِ كُلِّهَا، وَهُوَ إِيَّاهُ الْمَوْلُودُ مِنْ مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ مِنْ غَيْرِ مُفَارَقَةٍ مِنَ الْأَبِ وَلَا مِنْ رُوحِ الْقُدُسِ.

قُلْتُ: فَهَذَا كَلَامُ سَعِيدِ بْنِ الْبِطْرِيقِ الَّذِي قَرَّرَ بِهِ دِينَ النَّصَارَى، وَفِيهِ مِنَ الْبَاطِلِ مَا يَطُولُ وَصْفُهُ، لَكِنْ نَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ وُجُوهًا.

الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ: إِنَّ مِنْ عَظِيمِ تَدْبِيرِ اللَّهِ أَنْ بَعَثَ كَلِمَتَهُ الْخَالِقَةَ، الَّتِي بِهَا خُلِقَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ جَوْهَرِهِ، لَيْسَتْ مَخْلُوقَةً، وَلَكِنْ مَوْلُودَةٌ مِنْهُ، فَهَبَطَتْ كَلِمَةُ اللَّهِ الْخَالِقَةُ بِقِوَامِهَا الْقَائِمِ الدَّائِمِ، فَالْتَحَمَتْ مِنْ مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ.

فَيُقَالُ: قَدْ جَعَلْتَ الْكَلِمَةَ الْخَالِقَةَ، وَقُلْتَ - بَعْدَ هَذَا -: وَلَا كَانَتِ الْكَلِمَةُ بَرِيَّةً مِنْهُ، وَلَا مِنْ رُوحِهِ الْخَالِقَةِ، وَقُلْتَ - بَعْدَهَا -:

<<  <  ج: ص:  >  >>