للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذِهِ أَجْسَادٌ كَثِيفَةٌ، بَلْ جُمْهُورُهُمْ يَقُولُ: إِنَّهُ اتَّحَدَ بِجَسَدٍ لَا رُوحَ فِيهِ قَبْلَ النَّفْخِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ قَبْرِهِ.

وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُكُ: (فَكَانَتْ مَسْكَنًا لِلَّهِ فِي حُلُولِهِ وَاحْتِجَابِهِ لِلُطْفِهَا عَنْ جَمِيعِ مَا لَطُفَ مِنَ الْخَلَائِقِ كُلِّهِمْ) - وَصْفٌ مَمْنُوعٌ، وَالتَّعْلِيلُ بِهِ بَاطِلٌ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَسْكَنًا لِلُطْفِهِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْكُنَ إِلَّا فِي الرُّوحِ اللَّطِيفَةِ، فَلَمَّا أَثْبَتَ اتِّحَادًا بِالْجَسَدِ الْكَثِيفِ، بَطَلَ قَوْلُكَ: (إِنَّهُ اتَّحَدَ بِالْإِنْسَانِ لِلُطْفِهِ) .

الْوَجْهُ الْعَاشِرُ: قَوْلُكُمْ: (وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُرَى شَيْئٌ مِنْ لَطِيفِ الْخَلْقِ إِلَّا فِي غَلِيظِ الْخَلْقِ، وَلَا يُرَى مَا هُوَ لَطِيفٌ مِنَ اللَّطِيفِ إِلَّا مَعَ مَا هُوَ أَغْلَطُ مِنْهُ) .

يُقَالُ لَهُمْ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ لَمَّا اتَّحَدَ بِالْمَسِيحِ عِنْدَكُمْ قَدْ رَآهُ النَّاسُ وَعَايَنُوهُ، أَوْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ.

فَإِنْ قُلْتُمْ: قَدْ رَآهُ النَّاسُ وَعَايَنُوهُ، فَهَذَا مُخَالِفٌ لِلْحِسِّ وَالشَّرْعِ وَالْعَقْلِ.

أَمَّا الْحِسُّ، فَإِنَّ أَحَدًا مِمَّنْ رَأَى الْمَسِيحَ لَمْ يَرَ شَيْئًا يَتَمَيَّزُ بِهِ الْمَسِيحُ عَنْ غَيْرِهِ مِنَ الْبَشَرِ غَيْرَ الْعَجَائِبِ الَّتِي ظَهَرَتْ عَلَى غَيْرِهِ، مِنْهَا مَا هُوَ أَعْظَمُ مِمَّا ظَهَرَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَرَ إِلَّا بَدَنَ الْمَسِيحِ الظَّاهِرَ، لَمْ يَرَ بَاطِنَهُ، لَا قَلْبَهُ وَلَا كَبِدَهُ وَلَا طِحَالَهُ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَرَى رُوحَهُ، فَضْلًا عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>