للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْ يَرَى الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ يُوحُونَ إِلَيْهِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَرَى اللَّهَ، إِنْ قُدِّرَ أَنَّهُ كَانَ مُتَّحِدًا بِهِ أَوْ حَالًّا فِيهِ.

فَدَعْوَى الْمُدَّعِي أَنَّ مَنْ رَأَى الْمَسِيحَ فَقَدْ رَأَى اللَّهَ عِيَانًا بِبَصَرِهِ - فِي غَايَةِ الْمُبَاهَتَةِ وَالْمُكَابَرَةِ وَالْكَذِبِ، لَوْ قُدِّرَ أَنَّ اللَّهَ حَالٌّ فِيهِ، أَوْ مُتَّحِدٌ بِهِ.

فَإِنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَنْزِلُ عَلَى الْمَسِيحِ وَغَيْرِهِ وَتَتَّصِلُ بِأَرْوَاحِهِمْ، وَالنَّاسُ لَا يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ، بَلِ الْجِنُّ تَدْخُلُ فِي بَنِي آدَمَ وَالنَّاسُ لَا يَرَوْنَهُمْ، وَإِنَّمَا يَرَوْنَ جَسَدَ الْمَصْرُوعِ.

وَكُلُّ إِنْسَانٍ مَعَهُ قَرِينُهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَقَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ، وَهُوَ نَفْسُهُ لَا يَرَى ذَلِكَ، وَلَا يَرَاهُ مَنْ حَوْلَهُ.

وَتَحْضُرُهُ الْمَلَائِكَةُ وَقْتَ الْمَوْتِ وَلَا يَرَاهُمْ مَنْ حَوْلَهُ مَعَ أَنَّهُ هُوَ يَرَاهُمْ، قَالَ تَعَالَى: {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ - وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ - وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ - فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ - تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الواقعة: ٨٣ - ٨٧] . فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتُ الَّتِي اتَّفَقَ أَهْلُ الْمِلَلِ عَلَى اقْتِرَانِهَا بِالْإِنْسَانِ وَاتِّصَالِهَا بِهِمْ، وَأَنَّ رُؤْيَتَهَا مُمْكِنَةٌ - لَا يَرَاهَا النَّاسُ، فَكَيْفَ يُقَالُ: إِنَّ الْمَسِيحَ الَّذِي لَمْ يَرَ النَّاسُ مِنْهُ إِلَّا مَا رَأَوْهُ مِنْ أَمْثَالِهِ مِنَ الرُّسُلِ كَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ قَطُّ شَيْءٌ يَتَمَيَّزُ بِهِ عَنْ جِنْسِ الرُّسُلِ، فَكَيْفَ يُقَالُ: إِنَّ الَّذِينَ رَأَوْهُ، رَأَوُا اللَّهَ عِيَانًا بِأَبْصَارِهِمْ؟

<<  <  ج: ص:  >  >>