للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الشَّرْعُ، فَمُوسَى وَالْمَسِيحُ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أَخْبَرُوا أَنَّ أَحَدًا لَا يَرَى اللَّهَ فِي الدُّنْيَا.

وَأَمَّا الْعَقْلُ، فَإِنَّ رُؤْيَةَ بَعْضِ مَلَائِكَةِ اللَّهِ، أَوْ بَعْضِ الْجِنِّ - يَظْهَرُ لِرَائِيهَا مِنَ الدَّلَائِلِ وَالْأَحْوَالِ مَا يَطُولُ وَصْفُهُ، فَكَيْفَ بِمَنْ رَأَى اللَّهَ؟

وَالَّذِينَ رَأَوُا الْمَسِيحَ لَمْ يَكُنْ حَالُهُمْ إِلَّا كَحَالِ سَائِرِ مَنْ رَأَى الرُّسُلَ، مِنْهُمُ الْكَافِرُ بِهِ الْمُكَذِّبُ لَهُ، وَمِنْهُمُ الْمُؤْمِنُ بِهِ الْمُصَدِّقُ لَهُ، بَلْ هُمْ يَذْكُرُونَ مِنْ إِهَانَةِ نَاسُوتِهِ مَا لَا يُعْرَفُ عَنْ نُظَرَائِهِ مِنَ الرُّسُلِ، مِثْلَ ضَرْبِهِ، وَالْبُصَاقِ فِي وَجْهِهِ، وَوَضْعِ الشَّوْكِ عَلَى رَأْسِهِ، وَصَلْبِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَأَيْضًا فَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ رَأَى اللَّهَ إِمَّا أَنْ يَعْرِفَ أَنَّهُ اللَّهُ، أَوْ لَا يَعْرِفَ.

فَإِنْ عَرَفَ أَنَّهُ رَأَى اللَّهَ، كَانَ الَّذِينَ رَأَوُا الْمَسِيحَ قَدْ عَلِمُوا أَنَّهُ اللَّهُ، وَلَوْ عَلِمُوا ذَلِكَ لَحَصَلَ لَهُمْ مِنَ الِاضْطِرَابِ مَا يُقَصِّرُ عَنْهُ الْخُطَّابُ.

وَإِنْ كَانُوا لَمْ يَعْرِفُوهُ، فَهَذَا فِي غَايَةِ الِامْتِنَاعِ، حَيْثُ صَارَ رَبُّ الْعَالَمِينَ لَا يُمَيَّزُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ، بَلْ يَكُونُ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَيُمَيَّزُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، وَلَا يَعْرِفُ الرَّائِي أَنَّ هَذَا هُوَ اللَّهُ.

وَلَوَازِمُ هَذَا الْقَوْلِ الْفَاسِدَةُ كَثِيرَةٌ جِدًّا.

وَإِنْ قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُرَ لَمَّا اتَّحَدَ بِالْمَسِيحِ، وَإِنَّمَا رُئِيَ جَسَدُ الْمَسِيحِ الَّذِي احْتَجَبَ بِهِ اللَّهُ. فَقَوْلُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ: (وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُرَى شَيْءٌ مِنْ لَطِيفِ الْخَلْقِ إِلَّا فِي غَلِيظِ الْخَلْقِ، وَلَا يُرَى مَا هُوَ لَطِيفٌ مِنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>