فَيُقَالُ لَهُمْ: هَذَا الْكَلَامُ يَقْتَضِي أَنَّ الْخَالِقَ احْتَجَبَ بِالنَّفْسِ النَّاطِقَةِ، وَالنَّفْسَ النَّاطِقَةَ احْتَجَبَتْ بِالْبَدَنِ.
وَأَنْتُمْ تُصَرِّحُونَ بِأَنَّ نَفْسَ الْكَلِمَةِ الَّتِي هِيَ الْخَالِقُ، وَهِيَ اللَّهُ عِنْدَكُمْ، الَّتِي خَلَقَتْ لِنَفْسِهَا إِنْسَانًا احْتَجَبَتْ بِهِ، وَقُلْتُمْ: هُوَ إِنْسَانٌ تَامٌّ بِجَسَدِهِ وَنَفْسِهِ الدَّمَوِيَّةِ، وَرُوحِهِ الْكَلِمَانِيَّةِ، أَيْ نَفْسِهِ النَّاطِقَةِ الَّتِي هِيَ صُورَةُ اللَّهِ فِي الْإِنْسَانِ وَشِبْهُهُ، فَكَانَتْ مَسْكَنًا لِلَّهِ فِي حُلُولِهِ وَاحْتِجَابِهِ.
فَصَرَّحْتُمْ بِأَنَّ الْبَدَنَ مَعَ الرُّوحِ مَسْكَنٌ لِلَّهِ فِي حُلُولِهِ وَاحْتِجَابِهِ، وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي خَلَقَ ذَلِكَ الْبَدَنَ وَالرُّوحَ، وَقُلْتُمْ: إِنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ الْخَالِقَةَ الْمُحْتَجِبَةَ الَّتِي قُلْتُمْ: إِنَّهَا اللَّهُ، الْتَحَمَتْ مِنْ مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ.
فَإِذَا كَانَ اللَّهُ الْخَالِقُ قَدِ الْتَحَمَ مِنْ مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ قَبْلَ نَفْخِ النَّفْسِ النَّاطِقَةِ الَّتِي سَمَّيْتُمُوهَا الرُّوحَ الْكَلِمَانِيَّةَ فِي الْمَسِيحِ.
وَإِذَا كَانَ الْخَالِقُ - تَعَالَى - قَدِ الْتَحَمَ بِجَسَدٍ لَا رُوحَ فِيهِ، وَالْتِحَامُهُ بِهِ أَبْلَغُ مِنْ حُلُولِهِ فِيهِ، ثُمَّ اتَّخَذَ الْجَسَدَ حِجَابًا قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ الْكَلِمَانِيَّةِ فِيهِ، فَكَيْفَ يُقَالُ: إِنَّمَا حَلَّ فِي الرُّوحِ لَا فِي الْبَدَنِ، وَهُوَ قَدِ الْتَحَمَ بِالْبَدَنِ وَاتَّخَذَ مِنْهُ جُزْءًا مَسْكَنًا لَهُ وَحِجَابًا قَبْلَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهِ الرُّوحَ الْكَلِمَانِيَّةَ؟
وَقُلْتُمْ أَيْضًا: فَعَلَى هَذَا خَالَطَتْ كَلِمَةُ اللَّهِ الْخَالِقَةُ لِنَفْسِ الْإِنْسَانِ الْكَامِلَةِ بِجَسَدِهَا وَدَمِهَا وَرُوحِهَا الْعَاقِلَةِ الْكَلِمَانِيَّةِ.
وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْخَالِقَ خَالَطَ الْإِنْسَانَ بِجَسَدِهِ وَدَمِهِ وَرُوحِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute