للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا قِوَامَ لَهُ إِلَّا بِالْخَالِقِ، فَإِنْ كَانَ الْخَالِقُ قِوَامُهُ بِالْمَخْلُوقِ، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنَ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ قِوَامُهُ بِالْآخَرِ، فَيَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُحْتَاجًا إِلَى الْآخَرِ، إِذْ مَا كَانَ قِوَامُ الشَّيْءِ بِهِ، فَإِنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ.

وَهَذَا مَعَ كَوْنِهِ يَقْتَضِي أَنَّ الْخَالِقَ يَحْتَاجُ إِلَى مَخْلُوقِهِ وَهُوَ مِنَ الْكُفْرِ الْوَاضِحِ، فَإِنَّهُ يَظْهَرُ امْتِنَاعُهُ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ، وَهَذَا لَازِمٌ لِلنَّصَارَى، سَوَاءٌ قَالُوا بِالِاتِّحَادِ، أَوْ بِالْحُلُولِ بِلَا اتِّحَادٍ، وَإِنْ كَانَتْ فِرَقُهُمْ الثَّلَاثُ يَقُولُونَ بِنَوْعٍ مِنَ الِاتِّحَادِ، فَإِنَّهُ مَعَ الِاتِّحَادِ كُلٌّ مِنَ الْمُتَّحِدَيْنِ لَا بُدَّ لَهُ مِنَ الْآخَرِ، فَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ كَمَا يُمَثِّلُونَ بِهِ فِي الرُّوحِ مَعَ الْبَدَنِ، وَالنَّارِ مَعَ الْحَدِيدِ.

فَإِنَّ الرُّوحَ الَّتِيَ فِي الْبَدَنِ مُحْتَاجَةٌ إِلَى الْبَدَنِ، كَمَا أَنَّ النَّارَ فِي الْحَدِيدِ مُحْتَاجَةٌ إِلَى الْحَدِيدِ.

وَكَذَلِكَ الْحُلُولُ، فَإِنَّ كُلَّ حَالٍّ مُحْتَاجٌ إِلَى مَحْلُولٍ فِيهِ، وَهُوَ مِنَ الْكُفْرِ الْوَاضِحِ، فَإِنَّهُ يَظْهَرُ امْتِنَاعُهُ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ.

فَإِنَّ ذَلِكَ الْمَخْلُوقَ إِنْ قُدِّرَ أَنَّهُ مَوْجُودٌ بِنَفْسِهِ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ، فَلَيْسَ هُوَ مَخْلُوقًا، وَمَعَ هَذَا فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنَ الْقَدِيمَيْنِ الْأَزَلِيَّيْنِ مُحْتَاجًا إِلَى الْآخَرِ، سَوَاءٌ قُدِّرَ أَنَّهُ فَاعِلٌ لَهُ، أَوْ تَمَامُ الْفَاعِلِ لَهُ، أَوْ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>